الأحد، 16 سبتمبر 2012

رسالة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى محمد بن إبراهيم بن عجلان


أ) تقديم الشيخ سليمان بن سحمان:

(وله أيضاً رحمه الله وعفا عنه بمنه وكرمه؛ رسالة إلى الشيخ محمد بن عجلان [23] رحمه الله.

وسبب ذلك أن الشيخ محمد بن عجلان كتب رسالة أيام الفتنة التي وقعت بين عبد الله بن فيصل وأخيه سعود، ذكر فيها جواز الاستنصار بالكفار على البغاة من أهل الإسلام، وهي التي سماها الشيخ عبد اللطيف؛ "حبالة الشيطان".

فكتب عليها الشيخ عبد اللطيف جواباً قطع فيه كل ما يتعلق به كل مُبطل، وأزال بالبراهين والدلائل كل مشكل، وقرر فيها ان ما كتبه ونقله من آيه أو سنة أو أثر فهو عليه، لا له، لأنه يدل بوضعه أو تضمنه أو التزامه على البراءة من الشرك وأهله، ومباينتهم في المعتقد والقول والعمل وبغضهم وجهادهم حسب الطاقة، لكني إلى الآن لم أجدها [24].

ثم كاتبه الشيخ محمد بن عجلان وذكر فيما كتبه الوصية بما تضمنته سورة العصر، فكتب الشيخ إليه رحمه الله هذه الرسالة.

وهذا نصها) [25].

* * *
ب) نص الرسالة:

(بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى جناب الشيخ محمد بن إبراهيم بن عجلان، حفظه الله من طوائف الشيطان، ورزقه الفقه في السنة والقرآن.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد...

فأحمد الله إليه، وأثني بنعمه عليه.

والخط وصل.

وما ذكرت من التنبيه على ما تضمنته السورة الكريمة - سورة العصر - فقد سرني، وقد عرفت ما قال الشافعي رحمه الله: "لو فكر الناس فيها لكفتهم"، قلت؛ لأنها تتضمن الأصول الدينية، والقواعد الإيمانية، والشرائع الإسلامية، والوصايا المرضية.

فتفكر فيها، واعلم؛ أنك نبهتني بها على إعلامك ببعض ما تضمنته رسالتك لابن عبيكان.

وقد كتبت حين رأيتها ما شاء الله أن أكتب، ونهيت عن إشاعتها خوفاً منك وعليك.

ولكن رأيت ما الناس فيه من الخوض، ونسيان العلم، وعبادة الهوى، فخشيت من مفسدة كبيرة، برد السنة والقرآن، والدفع في صدر الحجة والسلطان، وقررت فيها؛ أن ما كتبته ونقلته من آية أو سنة أو أثر، فهو عليك لا لك.

لأنه يدل بوضعه أو تضمنه أو التزامه؛ على البراءة من الشرك وأهله، ومباينتهم في المعتقد والقول والعمل، وبغضهم وجهادهم، والبراءة من كل من اتخذهم أولياء من دون المؤمنين، ولم يجاهدهم حسب طاقته، ولم يتقرب إلى الله بالبعد عنهم وبغضهم ومراغمتهم.

وأكثر نصوصك التي ذكرت، دالة على ذلك، كقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}، والآية التي قبلها، والآية التي بعدها، وما ذكره ابن كثير هنا، كل هذا نص فيما قلناه، وقد بسطت القول في ذلك.

وكذلك كل أحاديث السمع والطاعة، والأمر بلزوم الجماعة؛ نص فيما قلنا عند من فقه عن الله ورسوله.

  • وما ذكرت من استعانته بابن أريقط:

    فهذا اللفظ ظاهر في مشاقة قوله في حديث عائشة: "إنا لا نستعين بمشرك" [26]، وابن أريقط أجير مستخدم، لا مُعين مكرم.

  • وكذلك قولك؛ "إن شيخ الإسلام ابن تيمية استعان بأهل مصر والشام، وهم حينئذ كفار":

    وهلة [27] عظيمة، وزلة ذميمة، كيف؟! والإسلام إذ ذاك يعلو أمره، ويقدم أهله، ويهدم ما حدث من أماكن الضلال وأوثان الجاهلية، ويظهر التوحيد ويقرر في المساجد والمدارس؟!

    وشيخ الإسلام نفسه يسميها؛ بلاد إسلام، وسلاطينهم سلاطين إسلام، ويستنصر بهم على التتر والنصيرية ونحوهم؛ كل هذا مستفيض في كلامه وكلام أمثاله.

    وما يحصل من بعض العامة والجهال، إذا صارت الغلبة لغيرهم، لا يحكم به على البلاد وأهاليها.

  • وكذلك ما زعمته؛ من أن أكابر العسكر أهل تعبد، أو نحو هذا:

    فهذه دسيسة شيطانية - وقاك الله شرها وحماك حرها - لو سلم تسليماً جدلياً؛ فابن عربي وابن سبعين وابن الفارض؛ لهم عبادات وصدقات، ونوع تقشف وتزهد، وهم أكفر أهل الأرض، أو من أكفر أهل الأرض.

    وأين أنت من قوله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

  • وأما إجازتك الاستنصار بهم:

    فالنزاع في غير هذه المسألة، بل في توليتهم وجلبهم، وتمكينهم من دار إسلامية، هدموا بها شعار الإسلام وقواعد الملة، وأصول الدين وفروعه.

    وعند رؤسائهم قانون وطاغوت، وضعوه للحكم بين الناس في الدماء والأموال وغيرها، مضاد ومخالف للنصوص، إذا وردت قضية؛ نظروا فيه وحكموا به، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.

  • وأما مسألة؛ الاستنصار بهم:

    فمسألة خلافية.

    والصحيح الذي عليه المحققون؛ منع ذلك مطلقاً، وحجتهم حديث عائشة، وهو متفق عليه، وحديث عبد الرحمن بن [خُبيب]، وهو حديث صحيح مرفوع [28]، اطلبهما تجدهما فيما عندك من النصوص.

  • والقائل بالجواز؛ احتج بمرسل الزهري [29]:

    وقد عرفت ما في المراسيل، إذا عارضت كتاباً أو سنة [30].

    ثم القائل به شرَط؛ أن يكون فيه نصح للمسلمين، ونفع لهم، وهذه القضية فيها هلاكهم ودمارهم.

    وشرَط أيضاً؛ أن لا يكون للمشركين صولة ودولة يخشى منها، وهذا مبطل لقولك في هذه القضية.

    واشترط مع ذلك؛ أن لا يكون له دخل في رأي ولا مشورة، بخلاف ما هنا [31].

    كل هذا ذكره الفقهاء وشراح الحديث ونقله في "شرح المنتقى"، وضعف مرسل الزهري جداً.

    وكل هذا في قتال المشرك للمشرك مع أهل الإسلام.

  • وأما استنصار المسلم بالمشرك على الباغي:

    فلم يقل بهذا إلا من شذ واعتمد القياس، ولم ينظر إلى مناط الحكم، والجامع بين الأصل وفرعه.

    ومن هجم على مثل هذه الأقوال الشاذة، واعتمدها في نقله وفتواه، فقد تتبع الرخص، ونبذ الأصل المقرر عند سلف الأمة وأئمتها، المستفاد من حديث الحسن، وحديث النعمان بن بشير، وما أحسن ما قيل:

    والعلم ليس بنافع أربابه ما لم يفد نظراً وحسنَ تبصرِ

    وفي رسالتك مواضع أعرضنا عنها، خشية الإطالة.

    هذا كله من التواصي بالحق والصبر عليه، وإن لام لائم، وشنأ شانئ، ولولا ما تقرر في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، من تفصيل الحكم في المخطئ والمتعمد، لكان الشأن غير الشأن.

    {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}.

    وصلى الله على محمد) [32].



    [23] ذكره عبد الرحمن بن محمد بن قاسم؛ ضمن العلماء والقضاة الذين أخذوا العلم عن المجدد الثاني عبد الرحمن بن حسن رحمه الله [د: ج16/ص409].

    [24] أي ان للشيخ رد مطول على شبه "ابن عجلان"، لكنه مفقود.

    [25] م: ج3/ص65.

    [26] رواه مسلم.

    [27] الوهلة؛ الفزعة.

    [28] روى الإمام أحمد في مسنده [برقم: 15203] وغيره، عن خُبيب بن عبد الرحمن بن خُبيب عن أبيه عن جده، قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزوا، أنا ورجل من قومي، ولم نسلم، فقلنا: "إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم"، قال: "أو أسلمتما؟"، قلنا: "لا"، قال: "فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين")، قال: (فأسلمنا وشهدنا معه، فقتلت رجلا، وضربني ضربة، وتزوجت بابنته بعد ذلك، فكانت تقول: "لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح"، فأقول: "لا عدمت رجلا عجل أباك إلى النار"!).

    [29] المقصود بمرسل الزهري رحمه الله، ما رواه أبو داود رحمه الله في مراسيله [برقم: 260] عن الزهري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ استعان بناس من اليهود في خيبر في حربه، فأسهم لهم).
    وقد قال عنه الشوكاني رحمه الله، بعد أن ذكر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - المتقدم -: (ولا يصلح مرسل الزهري لمعارضة ذلك - لما تقدم من أن مراسيل الزهري ضعيفة - والمسند بمعناه؛ فيه الحسن بن عمارة، وهو ضعيف) [نيل الأوطار: ج7/ص230].

    [30] سُئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد رحمهما الله؛ عن المسند والمرسل، أيهما أقوى؟
    فأجاب: (المسند أقوى من المرسل.
    وذلك أن المسند؛ ما اتصل سنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان السند كلهم ثقات، وليس فيهم شذوذ؛ فأجمع العلماء على الاحتجاج به إذا لم يعارضه مثله، أو أقوى منه.
    وأما المرسل؛ فهو ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، كقول الحسن: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا"، وقول محمد بن شهاب الزهري: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقول عطاء: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فسقط رجل بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثير من أهل العلم لا يحتج بالمرسل إلا إذا اتصل وأسند من وجه صحيح.
    فإذا كان كذلك، تبين لك؛ أن المسند أقوى وأصح من المرسل بكثير) [د: ج4/ص118].

    [31] أعلم أيها القارئ؛ ان الفقهاء الذين أجازوا الاستعانة بالمشركين - سواء على الكفار أو البغاة - وان كان قولهم مرجوحاً، إلا انهم لم يُجيزوها بدون قيود وضوابط، فقد:
    أ) اشترط ابن قدامة رحمه الله - من الحنابلة -: (أن يكون من يُستعان به؛ حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم، لم تجزئه الاستعانة به) [المغني والشرح الكبير: ج10/ص456].
    ب) واشترط أبو بكر الحازمي رحمه الله - من الشافعية -: (أن يكونوا ممن يوثق بهم، فلا تُخشى ثائرتهم) [الاعتبار في الناسخ والمنسوخ: ص219].
    ج) واشترط ابن القاسم رحمه الله - من المالكية -: (أن يكونوا نواتية أو خداما) [المدونة: ج1/ص525].
    د) وقال الجصاص - الحنفي - في أحكامه، على قوله تعالى: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ}: (وهذا يدل على أنه غير جائز للمؤمنين الاستنصار بالكفار على غيرهم من الكفار، إذ كانوا متى غلبوا؛ كان حكم الكفر هو الغالب، وبذلك قال أصحابنا).
    هـ) وقال ابن حزم - الظاهري -: (فإن علم المسلم - واحداً كان أو جماعة - أن من استنصر به من أهل الحرب أو الذمة؛ يؤذون مسلماً أو ذمياً، فيما لا يحل، فحرام عليه أن يستعين بهما، وإن هلك) [المحلى، مسألة: 2162].
    هذا بعض ما اشترطه فقهاء المذاهب الإسلامية لاجازة الاستعانة بالمشركين، وكما ترى فان أياً من تلك الشروط لم يتحقق في نازلة عصرنا، ولي أن أتسائل هنا؛ وفقاً لأي مذهب إذن افتى من أوجب الاستعانة بالصليبين "فوراً"؟! اللهم إلا على المذهب الأمريكي!

    [32] د: ج8/ص364 – 368، م: ج3/ص65 – 68.
  • ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق