الاثنين، 17 سبتمبر 2012

المرجعية الوحيدة؟ فعلاً بجاحة؟!

أبعد هذا التجفيف وهذا التسطيح؟ أبعد أن صار جل خريجيه لا يحفظون القرآن، ولا يحسنون ارتجال خطبة، أو إلقاء محاضرة، ولا يعيشون العصر، ولا يدرون ما التفاعل الدعوى الحق؟
أبعد أن قصت جذورهم العلمية الصحيحة؟ وطول الغياب والنوم؟
أبعد الصمت المخزى لما سُب الله تعالى وسُب النبى صلى الله عليه وسلم مرات ومرات دون إنكار؟
أبعد المواقف الداجنة من كثير من رموزه؛ أيام مبارك خاصة؟
أبعد هذا الانسحاب من المجتمع، وترك الساحة لخريجى الطب والهندسة والزراعة والتجارة ليقودوا العمل الإسلامى، ثم يأتى ويطالب بأن يكون المرجعية الوحيدة؟
المرشد بديع وزغلول النجار وخيرت الشاطر والعوا والسرجانى وأبو الفتوح وحازم أبو إسماعيل وياسر برهامى ومحمد بن إسماعيل وأحمد فريد ومحمد حسين يعقوب ومحمد حسان وصفوت حجازى وعصام العريان ومحمد يسرى والشحات ونادر بكار وزينب عبد العزيز وهبة رؤوف ونهى الزينى – والألقاب كلها فوق راسى - وألوف ألوف غيرهم ليسوا أزهريين، وهم يقودون العمل الإسلامى الفاعل، وفى سبيل التوحيد، أو الحل الإسلامي، أو تعديل الأحوال، ومواجهة الظلم والقمع، واللصوصية، وخنق مصر، ذاقوا الويلات، وضحوا، ومرات كثيرة ظنوا أنهم أحيط بهم، ثم يأتى النائمون ليقولوا: نحن المرجعية الوحيدة؟
أيقطف الثمرةَ المستسلمون وطبقة دراويش السلطان المجرم الذى بايعوه – علنًا - مدى العمر؟
أيقطف الثمرة أعضاء لجنة السياسات ومواجهو التيار الإسلامى باعتبارهم الفكر الوسطي؟
وسطى ازاي؟! من أين؟ وبم؟ وكيف؟ ومتى؟
وهل الإقصاء وتهديد بعض أساتذة الجامعة المخالفين، الرافضين للدروشة بأنهم لن يبقوا بها ما دام (قداسته) موجودًا من الوسطية؟
وهل وصْفُ فصيل كبيييييييير من فصائل العمل الإسلامى بأنهم (كلاب أهل النار) وسطية؟
وهل سب ابن تيمية رحمه الله تعالى وتقبيحه، وإعلاء ابن سينا والفارابى وتبجيله وسطية؟
هل إقصاء الآخرين ووصمهم وتحقيرهم وسطية؟
هل إنتاج نماذج دعوية وعلمية معوقة من الوسطية؟ اسمع هذه قارئى الكريم:
أخبرنى الأديب الجميل الوثاب المحامى أحمد حشلة: قابلت أحدهم فى كيب تاون مبتعثًا من الأزهر لنشر دعوة الإسلام فى مقهى إنترنت، وكان يتحدث إلى زوجته قائلاً: (يا زينب: اوعى تهمّلى مع الجاموسة، وسرحيها كل يوم، وحطى فلوس اللبن تحت المرتبة! دى أمانة يا زينب! واوعى تاخدى حاجة من الأربع تلاف دولار اللى فى الدرج؛ خليه مقفول زى ما هو، وحطى المفتاح مع فلوس اللبن)!
وكان صوته عاليًّا جدًّا لدرجة جعلت كل من فى المقهى يتوقف عن استعمال الكمبيوتر! وهو خارج سألته هل تتحدث الإنجليزية أثناء الدعوة؟ قال: ولا العربية؛ احنا هنا بنصلوا بالناس، بركة من الأزهر يعني!.. وإنا لله وإنا إليه راجعون! وعندى من هذه القصص كثير!
ثم متى كانت الأمة بلا اجتهاد وبلا تعددية ومدارس مختلفة؟ متى كان هذا؟
متى كانت الأمة (المصرية) ذات مرجعية واحدة، لا يؤبه لقول غيرها، ولا يسمح له بالكلام؟
نعم حصل.. فى ظل مشائخ أمن الدولة الذين منعوا غيرهم من اعتلاء المنابر، أو قول الحق، وحين كانت تنفرج قليلا كان يسمح لبعض (كبار الدعاة) أن يخطبوا أو يدرسوا فى مسجد واحد أو داخل المدينة لا يتجاوزون ذلك!
الأمة فى تاريخها كله كانت ذات مدارس فى العقيدة وفى العبادة وفى التفسير والفكر والنظر والاجتهاد، من العصور الأولى، بعد سيدى المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وفيها خالف الإمام الإمام، والعالم العالم، والمجتهد المجتهد!
التعددية فى المدرسة الفقهية أجلى ما تكون حين ترى سيدنا الإمام الأعظم أبى حنيفة قد نبت من تربة ربيعة ابن أبى عبد الرحمن، ثم نبت مالك من تربته، ثم نبت الشافعى من تربة مالك، فابن حنبل من تربة الشافعي، وكلهم خالف كلهم! رضى الله عنهم أجمعين!
بل تعدد الرأى فى المدرسة الواحدة، فخالف التلاميذ إمامهم، ورأينا فى المسألة الواحدة رأيًا للإمام أبى حنيفة عليه رحمة الله، خالفه فيه تلميذه أبو يوسف، وخالفه فيه تلميذه أبو يوسف، وتلميذه محمد بن الحسن، وتلميذه زفر بن الهذيل، وتلميذه وابنه حماد!
ولم يقل رحمه الله تعالى: أنا المرجعية الوحيدة!
ألم تروا إلى إمام دار الهجرة العالم الجليل الربانى مالك بن أنس رحمه الله تعالى ورضى عنه حين أراد الرشيد أن يحمل الناس على "موطئه" فمنعه قائلاً: (إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا فى الأمصار، وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم)! ألم يقل غير سيدى مالك من الأئمة: (ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه)!
ألم يقل سيدى عمر بن عبد العزيز: (ما يسرنى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاًّ، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا، ورجل بقول هذا؛ كان فى الأمر سعة)، ألم تروا إلى ذلك الذى صنف كتابًا فى الاختلاف، فقال له سيدى الإمام أحمد بن حنبل: لا تسمه "كتاب الاختلاف"، ولكن سمه "كتاب السعة" ألم يقل بعض سلف الأمة الصالح: (إجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة)!؟
كيف يكون وسطيًّا من يجارى الروافض فى بدعهم ومروقهم، ويخالف صريح العقل وصريح النقل، ويرى الخرافات أهدى سبيلاً وأقوم قيلا!؟
أتريدون يا سادتى أن تجعلوه المرجعية الوحيدة؟
أصلحوا الأزهر وأعيدوا له مناهجه ودوره وريادته، وعلموا الناس فيه فقه الاختلاف وفقه الاتفاق، وروح التعددية الراشدة، التى لا تجعل الخرافة دينًا، ولا تتمرد على ثوابت الكتاب والسنة!
أتريدون أن تجعلوه المرجعية الوحيدة؟
ضعوا فيه شيوخا قادة يقودون الأمة نحو العافية، ويواجهون الظلم والفساد والطغيان والاننحراف بأشكاله كلها؛ خصوصًا العقيدية والسلوكية!
أتريدون أن تجعلوه المرجعية الوحيدة؟
خرجوا منه علماء حقيقيين، قرؤوا، وفهموا، وهضموا، وعاشوا عصرهم، وعملوا، ودعوا على بصيرة، لا الكثرة من المهازيل الذين انصرف الناس عنهم ليستمعوا لأطباء ومهندسين..
أتريدون أن تجعلوه المرجعية الوحيدة؟
اجعلوا منصب شيخ الأزهر أعلى المناصب مكانًا؛ لئلا يكون الأنبا أعلى مكانًا، وأمضى كلاما من (الإمام الأكبر)
أتريدون أن تجعلوه المرجعية الوحيدة؟
اجعلوا أزهر الأمة – كما كان – لا أزهر مصر وحدها!
قاعدين ليه؟ ما تروحوا وترحموا مصر وترحمونا!
aalbasuni@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق