الأحد، 16 سبتمبر 2012

حد الردة مذكور في القرآن



-قوله:
(و إنما ورد في كتاب الله ما يفهم منه خلافه أي العقوبة الأخروية للمرتد).
***
هذا استدلال باطل لأن العقوبة الأخروية لا تدل على انتفاء العقوبة الدنيوية، وكثيرا ما يذكر الله تعالى العقوبة الأخروية لبعض المعاصي في موضع ثم يذكر العقوبة الدنيوية في موضع آخر مثال ذلك :
قال تعالى في الزنا :{ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا }
وقال في موضع آخر: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة }
وهكذا قد ترد العقوبة الأخروية في القرآن وترد العقوبة الدنيوية في السنة فيعمل بذلك كله لأن الكل وحي من عند الله تعالى .
وقد يذكر الله تعالى المعصية بالذم والتقبيح فقط، وتكون مستلزمة للعقوبة الدنيوية والأخروية،
مثال ذلك نكاح زوجة الأب فإن الله تعالى قال : {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } ولم يذكر له عقوبة في الدنيا ولا في الآخرة ومع هذا فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء -الذي تقدم ذكره –بقتل الذي نكح زوجة أبيه .
وقد ذكر الله تعالى الخمر في القرآن فقال : {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } وقال: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون }
ولم يذكر القرآن للخمر عقوبة دنيوية أو أخروية وإنما ورد ذلك في السنة .
ثم إن العقوبة الدنيوية لا تنفك عن العقوبة الأخروية لأن كل صاحب معصية مستحق لهما فهما متلازمان قدرا لقوله تعالى : {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } ومتلازمان شرعا لأن كل صاحب معصية مستحق للتعزير في الدنيا والتعذيب في الآخرة .
وقد ورد في القرآن ما يدل على عقوبة المرتد في الدنيا وذلك في قوله تعالى:
{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [سورة التوبة: 74]، فقد ذكرت الآية العقوبة الدنيوية والعقوبة الاخروية والمقصود بها القتل،
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: ".. {يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} وهذا لمن أظهر الكفر فيجاهده الرسول بإقامة الحد والعقوبة" مجموع الفتاوى (7/273).
وقال ابن الجوزي: "قوله تعالى : {يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} بالقتل وفي الآخرة بالنار" [زاد المسير (ص /596)].
وقال ابن كثير :( {فإن يتوبوا يك خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والاَخرة} أي وإن يستمروا على طريقهم يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا أي بالقتل والهم والغم، والاَخرة أي بالعذاب والنكال والهوان والصغار).
وقال ابن جرير: ( أما قوله: {فإنْ يَتُوبُوا يَكَ خَيْرا لَهُمْ } يقول تعالى ذكره: فإن يتب هؤلاء القائلون كلمة الكفر من قيلهم الذي قالوه فرجعوا عنه، يك رجوعهم وتوبتهم من ذلك خيرا لهم من النفاق. {وإنْ يَتَوَلّوْا} يقول: وإن يدبروا عن التوبة فيأبوها، ويصرّوا على كفرهم {يُعَذّبْهُمُ اللّهُ عَذَابا ألِيما} يقول: يعذّبهم عذابا موجعا في الدنيا، إما بالقتل، وإما بعاجل خزي لهم فيها، ويعذّبهم في الاَخرة بالنار.)
وقال القرطبي :( قوله تعالى: "وإن يتولوا" أي يعرضوا عن الإيمان والتوبة "يعذبهم الله عذابا أليما" في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالنار).
حد الردة لا يطبق إلا على من خرج من الإسلام إلى الكفر:
15-قوله:
(و أن الحديث الأساسي الوارد ففيه أنه حديث عام ( من بدل دينه فاقتلوه) قال الفقهاء بأنه ينطبق على من غير من مسيحية إلى يهودية).
***
هذا الذي نسبه إلى الفقهاء مخالف لما ذكروه والعكس هو الصحيح :
قال القرطبي عند قوله فعالى {ومن يرتد منكم عن دينه }الآية:
(واختلفوا فيمن خرج من كفر إلى كفر، فقال مالك وجمهور الفقهاء: لا يتعرض له، لأنه انتقل إلى ما لو كان عليه في الابتداء لأقر عليه. وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه يقتل، لقوله عليه السلام: (من بدل دينه فاقتلوه) ولم يخص مسلما من كافر. وقال مالك: معنى الحديث من خرج من الإسلام إلى الكفر، وأما من خرج من كفر إلى كفر فلم يعن بهذا الحديث، وهو قول جماعة من الفقهاء).
قال في الموطأ:
(حدثنا يحيى عن مالك عن زيد بن اسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من غير دينه فاضربوا عنقه ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله اعلم من غير دينه فاضربوا عنقه انه من خرج من الإسلام إلى غيره مثل الزنادقة وأشباههم فإن أولئك إذا ظهر عليهم قتلوا ولم يستتابوا لأنه لا تعرف توبتهم وانهم كانوا يسرون الكفر ويعلنون الإسلام فلا أرى ان يستتاب هؤلاء ولا يقبل منهم قولهم واما من خرج من الإسلام إلى غيره واظهر ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل وذلك لو ان قوما كانوا على ذلك رأيت ان يدعوا إلى الإسلام ويستتابوا فإن تابوا قبل ذلك منهم وان لم يتوبوا قتلوا ولم يعن بذلك فيما نرى والله اعلم من خرج من اليهودية إلى النصرانية ولا من النصرانية إلى اليهودية ولا من يغير دينه من أهل الأديان كلها الا الإسلام فمن خرج من الإسلام إلى غيره وأظهر ذلك فذلك الذي عني به والله اعلم).
وقال ابن حجر:
(فلو تنصر اليهودي لم يخرج عن دين الكفر، وكذا لو تهود الوثني، فوضح أن المراد من بدل دين الإسلام بدين غيره لأن الدين في الحقيقة هو الإسلام قال الله تعالى : " إن الدين عند الله الإسلام " وما عداه فهو بزعم المدعي، ويؤيد تخصيصه بالإسلام ما جاء في بعض طرقه، فقد أخرجه الطبراني من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس رفعه " من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه )فتح الباري.
وقال الشوكاني :
(المراد من بدل دينه الذي هو دين الإسلام لأن الدين في الحقيقة هو دين الإسلام قال الله تعالى : {إن الدين عند الله الإسلام} ويؤيده أن الكفر ملة واحدة، فإذا انتقل الكافر من ملة كفرية إلى أخرى مثلها لم يخرج عن دين الكفر. ويؤيده أيضا قوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} وقد ورد في بعض طرق الحديث ما يدل على ذلك، فأخرجه الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس رفعه : "من خالف دينه دين الإسلام فاضربوه عنقه" ) نيل الاوطار باب قتل المرتد .
وبهذا يتضح أن الحديث ينطبق على من خرج من الإسلام إلى الكفر ولا ينطبق على من خرج من الكفر إلى الكفر ..
وليت شعري ماذا يريد جميل منصور بقوله : (قال الفقهاء بأنه ينطبق على من غير من مسيحية إلى يهودية) هل يريد من المسلمين أن يتعبدوا لله بقتل من تحول من مسيحية إلى يهودية وأن يعاقبوا من خرج من دين الكفر ولا يعاقبوا من خرج من دين الاسلام !!
ينبغي للعاقل أن يفكر قبل أن يتكلم ..!
هل العلة في قتل المرتد عند أبي حنيفة هي الحرابة ؟
16- قوله:
(أستغربوا بأن الأمام أبا حنيفة قال بأن المرتدة الأنثى لا تقتل واكتشفوا بأنه ليس عقوبة لرأي لأن العقوبة في الرأي لا مجال للتفريق فيها بين الرجل والمرأة وإنما هو بناء على المحارب أي الذي ينتظر منه محاربة وقتال وهذا لم يكن ينتظر من النساء).
***
أبو حنيفة وغيره من العلماء القائلين بعدم وجوب قتل المرتدة لم يذهبوا إلي هذا الرأي لأن العلة في قتل المرتد عندهم محصورة في الحرابة، ومن نسب هذا القول إليهم فقد أخطأ وافترى عليهم، بل إنهم نظروا إلى عموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء وعموم أمره صلى الله عليه وسلم بقتل المرتد فرجحوا العموم الأول.
بينما رجح الجمهور الأخير، كما قال ابن الهمام تعليقا على حديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء } :
 (في الحديث الصحيح، وهذا مطلق يعم الكافرة أصليا وعارضا، وثبت تعليله صلى الله عليه وسلم بالعلة المنصوصة كما قدمناه في الحديث من عدم حرابها فكان مخصصا لعموم ما رواه بعد أن عمومه مخصص بمن بدل دينه من الإسلام إلى الكفر ). [فتح القدير لكمال بن الهمام - (13 / 227)].
وقال الكاساني : (والحديث محمول على الذكور عملا بالدلائل صيانة لها عن التناقض).
وهم لم يقولوا بأن علة قتل المرتد هي المحاربة بل إنهم يتفقون مع بقية العلماء في أن العلة في قتل المرتد هي مفارقته للدين لا غير. والأحناف يصرحون بذلك في كتبهم كثيرا، ومن أمثلة ذلك :
قال السرخسي :
(لأن الشرع جعل شهود الشهر سببا لوجوب الصوم قال الله تعالى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } ومثل هذا لبيان السبب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من بدل دينه فاقتلوه") [المبسوط - (ج 4 / ص 216)].
وقال أيضا :
(وفيه دليل أن سبب العتق الملك مع القرابة فإن مثل هذا في لسان صاحب الشرع بمعنى بيان السبب كما قال من بدل دينه فاقتلوه وقال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: من الآية185]) [المبسوط للسرخسي - (7 / 125)].
وقال القرطبي في تفسيره :
(وقال الثورى وأبو حنيفة وأصحابه: لا تقتل المرتدة، وهو قول بن شبرمة، وإليه ذهب بن علية وهو قول عطاء والحسن، واحتجوا بأن ابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من بدل دينه فاقتلوه"، ثم إن ابن عباس لم يقتل المرتدة، ومن روى حديثا كان أعلم بتأويله، وروي عن علي مثله، ونهى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان).
وقال الكاساني في علة ترك قتل المرتدة :
 ( ولنا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا تقتلوا امرأة ولا وليدا } ولأن القتل إنما شرع وسيلة إلى الإسلام بالدعوة إليه بأعلى الطريقين عند وقوع اليأس عن إجابتها بأدناهما، وهو دعوة اللسان بالاستتابة، بإظهار محاسن الإسلام والنساء أتباع الرجال في إجابة هذه الدعوة في العادة، فإنهن في العادات الجارية يسلمن بإسلام أزواجهن على ما روي أن رجلا أسلم وكانت تحته خمس نسوة فأسلمن معه، وإذا كان كذلك فلا يقع شرع القتل في حقها وسيلة إلى الإسلام، فلا يفيد ولهذا لم تقتل الحربية بخلاف الرجل فإن الرجل لا يتبع رأي غيره، خصوصا في أمر الدين بل يتبع رأي نفسه، فكان رجاء الإسلام منه ثابتا، فكان شرع القتل مفيدا، فهو الفرق) [بدائع الصنائع - (15 / 423)].
و الربط بين قول أبي حنيفة بعدم قتل المرتدة والقول باشتراط إمكان المحاربة معناه أن أبا حنيفة لا يقول بقتل المرتد -الذكر – إلا إذا كان محاربا، وهو لا يقول بذلك قطعا، وفساد النتيجة دليل على فساد المقدمة .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
(الاعتبار عند النزاع بالرد إلى الله والى الرسول والكتاب والسنة دال على ما ذكرناه من ان المرتد يقتل بالاتفاق وان لم يكن من أهل القتال إذا كان أعمى أو زمنا أو راهبا) [مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 252)].
ومن الأدلة على أن أبا حنيفة يرى أن العلة في عقوبة المرتد هي تبديل الدين لا الحرابة قوله بعقوبة المرتدة بالحبس والضرب :
قال شيخي زاده في مجمع الأنهر :
 ( والمرأة إذا ارتدت لا تقتل عندنا حرة كانت أو أمة بل تحبس إن أبت ولو صغيرة فتطعم كل يوم لقمة وشربة وتمنع من سائر المنافع حتى تتوب أي تسلم أو تموت) [مجمع الأنهر - (4 / 383)].
وقال ابن قدامة :
(وقال أبو حنيفة : تجبر على الإسلام بالحبس والضرب، ولا تقتل ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
"لا تقتلوا امرأة" ولأنها لا تقتل بالكفر الأصلي، فلا تقتل بالطارئ، كالصبي ). [المغني ج 8 ص 76].
وهنا مسألتان منهجيتان ينبغي التنبه لهما :
الأولى : أنه ينبغي أن تكون أقوال النبي صلي الله عليه وسلم حاكمة على أقوال العلماء لا العكس، فينظر في أقوال العلماء فما وافق منها أقوال النبي صلى الله عليه وسلم قبل وما خالفها رد، أما أن يعمد إلى أقوال العلماء فتحرف لكي يرد بها قول النبي صلى الله عليه وسلم فهذا من تحريف الكلم عن مواضعه ولبس الحق بالباطل، ومثاله في موضوعنا هذا تفسير رأي أبي حنيفة بطريقة يمكن من خلالها رد حديث النبي صلى الله عليه وسلم،
الثانية: أن الشارع إذا أناط الحكم بوصف معين فيتعين الوقوف عند ذلك الوصف وجعله مناطا للحكم دون غيره .
ومثال ذلك في موضوعنا : "تبديل الدين " فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعله مناطا لوجوب القتل فقال : "من بدل دينه فاقتلوه " .
 فمن قال : لا يقتل إلا المحارب فقد جعل مناط وجوب القتل هو الحرابة لا " تبديل الدين " وهو خلاف النص الصريح .
وهذا من تحريف الأدلة قال الشاطبي :
(ومنها تحريف الأدلة عن مواضعها بأن يَرِد الدليل على مناط فيصرفه عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهما أن المناطين واحد، وهو من خفيات تحريف الكلم عن مواضعه والعياذ بالله ) [الاعتصام ج1 ص 181].
17- قوله:
(فالقضية ليست إسقاطا بقدر ما هي فهم وتقدير وإجتهاد ليس جديد امع أحمد الريسوني وغيره، هذا يدل على سعة في الفقه والفكر الإسلامي).
***
كما ذكرنا هناك فرق بين سعة الفقه وميوعة الفقه، أما سعته فمعناها أن فيه القابلية لاستيعاب كل جزئيات الحياة المتجددة وإعطاء حكم فيها يتفق مع الشريعة الإسلامية، بما لا يتعارض مع المسلمات القطعية والأصول الثابتة، والفقه الإسلامي مشتمل على هذه الصفة قطعا .
وأما ميوعة الفقه فمعناها أن لا يكون له شكل ثابت ولا أصل مستقر وأن يجعل الحكم اليوم أمرا قطعيا ثم ينفيه غدا نفيا كليا في منهجية يختلط فيها الظني بالقطعي والمشكوك فيه بالمجزوم به، والفقه الاسلامي بريء من هذه الصفة قطعا،
قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله :
(حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن خالد بن سعد قال : دخل أبو مسعود على حذيفة فقال : اعهد إلي، قال : أولم يأتك اليقين ؟ قال : بلى، قال : فإن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وتنكر ما كنت تعرف، وإياك والتلون في دين الله ؛ فإن دين الله واحد ).
والاجتهادات التي ذكر جميل منصور تسير على منهج الميوعة هذه، وهي ليست دليلا على سعة الفقه الإسلامي بل هي دليل على سعة الجرأة على الإسلام وتنوع الحرب الموجهة ضده حيث شملت الحرب على المسلمات والثوابت والقطعيات وهذه " لاجتهادات " لا تستحق أن تدون في دواوين الفقه الإسلامي وإنما في شطحات الزندقة وما هي إلا "ضرطة عير في فلاة " وستبقي شريعة الإسلام الناصعة ونصوصه المحكمة صخرة شماء تتحطم عليها كل شطحات الزنادقة {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
ولا يشفع لهذه الشطحات الفكرية أن أصحابها ينتسبون إلى الإسلام ويريدون بها خدمة الاسلام.
فلا ينبغي أن ننسى أن المعتزلة والقدرية والخوارج لهم فكر ينتسب للإسلام أرادوا من خلاله خدمة الدين ولم يمنعه ذلك من أن يكون باطلا وضلالا.

الخاتمة
 أخيرا : نؤكد على ما ذكرناه من كون حد الردة ثابتا بالتصريح بالسنة والإجماع وأن القرآن الكريم أشار إليه، وأن تطبيقه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وأن الأمة أجمعت على العمل به في سائر الأعصار وأنه أمر كالمعلوم من الدين بالضرورة، وانه حد مقدر بالشرع وليس تعزيرا مقدرا بالإجتهاد، والتشكيك فيه تشكيك في أمر من المسلمات الشرعية الثابتة التي لا يستطيع أن يتجرأ على إنكارها إلا من كان معرضا عن شرع الله غير خاضع له بالكلية، أما من كان يزعم أن مرجعيته الكتاب والسنة فكيف يجرؤ على إنكارها ؟ ولهذا مازلت أطرح هذا السؤال بكل عفوية واستغراب :
لماذا ينكر الإخوان حد الردة ؟
وهل هم دعاة لإقامة الحكم الإسلامي أم دعاة لتمييع الشريعة الإسلامية ؟
نسأل الله تعالى أن يهدي كل المسلمين ويحفظهم من شطحات الزنادقة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أبو عبد الرحمن الشنقيطي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق