-->
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا ينكر الإخوان حد الردة ؟!
رد على رئيس حزب "تواصل" الإخواني
للشيخ
أبي عبد الرحمن الشنقيطي
حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد :
فقد قرأت مقابلة أجراها
موقع "تقدمي" مع محمد جميل منصور رئيس حزب "تواصل" الإخواني
في موريتانيا ونشرتها بغبطة صحيفة السراج الإخوانية.
تحدث ولد منصور في هذه المقابلة عن حد الردة بما
يتنافى مع المسلمات الشرعية والنصوص الثابتة، وبما يبدو أنه إنكار لحد الردة أو دعوة
للتخلي عنه.
ولقد دهشت –في الحقيقة-
كثيرا وتألمت كثيرا عندما قرأت هذه المقابلة .. فلم أكن أتخيل أن تميع الإخوان
وخاصة في موريتانيا وصل إلى هذه الدرجة حيث تنكر الأحكام الشرعية الثابتة بجرأة
كبيرة وصراحة واضحة !
وزادت دهشتي عندما كتبت
مختصرا لهذا الرد على تلك المقابلة وأرسلته إلى صحيفة "السراج"
الإخوانية فقامت بنشره على مضض في صفحاتها، وكنت من شدة حسن الظن بالقوم أتخيل أن ذلك
الرد سوف يحدث هزة كبيرة في الإخوان أو تذمرا واسعا وسط أتباعهم عندما يلاحظون مدى
التميع الذي وصل إليه قادتهم ..لكن شيئا من ذلك لم يحدث !
بل حدث ما يمكن أن نعتبره
إجماعا سكوتيا على هذا الانحراف الخطير !!
فشعرت حينها بأن مرض
القوم ذهب في الأعماق إلى أبعد مدى ولا حول ولا قوة إلا بالله !
ورحم الله زمانا كان فيه
المسلمون إذا تناظروا أقر المحجوج بالحق ورجع عن رأيه ..
ذكر الحطاب أن ابن رشد
حضر درس بعض الحنفية فقال المدرس: الدليل لنا على مالك في المسح على العمامة أنه
مسح على حائل أصله الشعر فإنه حائل .
فأجابه ابن رشد : بأن
الحقيقة إذا تعذرت انتقل إلى المجاز إن لم يتعدد، وإلى الأقرب منه إن تعدد، والشعر
هنا أقرب والعمامة أبعد، فيتعين الحمل على الشعر .
فلم يجد جوابا فنهض قائما
وأجلسه بإزائه .
ومن المؤسف أن هؤلاء المنكرين لحد الردة ممن
يوصفون بأنهم إسلاميون كالقرضاوي وفهمي هويدي وأحمد الريسوني ومحمد سليم العوا
وغيرهم من جماعة الإخوان الذين أنكروا حد الردة أو شككوا فيه قاموا من حيث يشعرون
أو لا يشعرون بخدمة العلميين وسهّلوا عليهم مهمة إنكار هذا الحكم الشرعي الثابت، فبعد
أن كان هذا الحكم مسألة مجمعا عليها ومحسومة في الشريعة من خلال النصوص الصحيحة
الصريحة والإجماع العملي الثابت أصبح اليوم قضية خلافية كما يزعم هؤلاء العلمانيون
وهم يستدلون على ذلك بأقوال المشككين في حد الردة من جماعة الإخوان !
وبعد أن كنا نأمل أن
يطبق الإسلام على أيدي هؤلاء القوم أصبحنا اليوم نتمنى أن يسلم من شرهم !
ولا أعتقد أبدا أن من
يتجرأ على إنكار حد الردة سوف يسعى بعد وصوله إلى الحكم إلى تطبيق شرع الله ..
لأنه لن يصل إلى الحكم
إلا بعد وصوله إلى شاطئ الكفر !
إن إنكار هؤلاء الرموز
الإخوانيين لحد الردة ما هو إلا مثال واحد من أمثلة كثيرة على ليّهم لأعناق النصوص
وردهم للسنة الصريحة وإنكارهم للإجماع الثابت عندما لا يتوافق كل ذلك مع منهجهم
البدعي المتميع .
وهذا الإنكار لحد الردة
دليل على أنهم يسعون جاهدين إلى تكييف الشريعة الإسلامية – بالحذف والزيادة – مع
منظومة الأفكار والقيم الغربية حتى تكون منسجمة معها تماما ..
فإيمانهم العميق بمبدأ
حرية التدين على الطريقة الغربية هو الذي جعلهم يتحرجون من تطبيق حد الردة لكونه –
في نظر الغرب - يتنافى مع حرية التدين !
وهكذا كل المفاهيم
والأحكام الإسلامية التي لا تنسجم مع منظومة القيم الغربية يقوم هؤلاء الإخوان
المجددون بإنكارها أو تغيير مفهومها كما حدث في إنكارهم جهاد الطلب وتهوينهم من
شأن الحدود ومحاولة تغيير الكثير من المفاهيم الشرعية الأخرى.
فالقضية ليست محصورة في
حد الردة وإنما يتعلق الأمر بمنهج يرمي إلي تطوير الإسلام علي حساب الثوابت
والمسلمات ولا يتورع عن ترويج أي فكرة تخدم هذا التطوير مهما كانت درجة مصادمتها
لنصوص الوحي وقواطع الشرع !!
ويبدوا أن جماعة الإخوان
بما فيها من قيادات فكرية وسياسية تكاد تكون مجمعة على التشكيك في حد الردة والقول
بعدم ضرورته في الفترة الحالية على الأقل !
وهم يعتمدون في هذا
الموضوع أساسا على أطروحات القرضاوي التي كان من نتائجها استحداث بدعتين شنيعتين
في مسألة "حد الردة"،
البدعة الأولى :
قوله بتقسيم الردة إلى
ردة مغلظة وهي ما كانت مصحوبة بالخروج على الحكم أو الدعوة إلى الكفر، وردة مخففة وهي ما كانت مجردة عن ذلك ،ومع أن
هذا ليس هو تعريف الردة المغلظة الذي ذكره أهل العلم، فقد زعم أيضا بأن حد الردة
لا يطبق إلا على من ارتد ردة مغلظة !
ومن كلامه في هذا الصدد
:
(هو يعني حد الردة فيه
كلام كثير وأنا كتبت فيه كتابات عدة. فيه ردة مغلظة وردة مخففة، فيه واحد يرتد
ويظل بردته لنفسه خلاص يروح جهنم يعني ما يهمناش، إنما الخطر الذي يرتد ويريد أن
ينشر ردته في المجتمع فهذا يكون خطرا على الأمة وعلى عقيدة الأمة وعلى هوية الأمة)
[الشريعة والحياة، حلقة بتاريخ : الثلاثاء 30/11/2010 م].
ولعل الإمام الهمام نسي
أن يخبرنا بأسماء العلماء الذين سبقوه لهذا القول !
فالعلماء الذين قسموا
الردة إلى مغلظة ومخففة لم يقل احد منهم بسقوط الحد عن مرتكب الردة المخففة .
البدعة الثانية :
زعمه بأن المرتد يستتاب
أبدا واستدلاله بأقوال منسوبة كذبا إلى النخعي والثوري دون أن يكلف نفسه الحديث عن
مصدر هذه الأقوال .. ولا يخفى أن الاستتابة أبدا تعني ترك إقامة الحد .
يقول القرضاوي في تقرير
هذه البدعة :
(العلماء يقولون إنه لا
يعاقب المرتد حتى يستتاب وبعضهم قال نستتيبه ثلاثة أيام وبعضهم قال شهرا وبعضهم
قال يستتاب أبدا، الإمام النخعي والإمام الثوري قالوا يستتاب أبدا، نفضل كل شوية
نرجع نقول له إيه إيش رأيك ونحبسه.. ففي يعني مجال للاجتهاد في هذا الأمر) [الشريعة
والحياة، حلقة بتاريخ : الثلاثاء 30/11/2010 م].
وهذا المذهب الذي تبناه
القرضاوي هو الذي تعلن قيادات الإخوان اليوم عن تبنيه والتمسك به،
نشرت صحيفة اليوم السابع
:
(أكدت قيادات بمكتب
الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين رفضهم لوضع قانون لتطبيق حد الردة، وأوضحت قيادات
الجماعة أن المناخ والبيئة غير مهيئين الآن لمثل هذا القانون أو أي حد من الحدود، رغم
أهميتها كجزء من العقيدة الإسلامية والشريعة، لكن يسبقها، كما قالوا، مبادئ
وأولويات كثيرة.
وأوضح د.أسامة نصر، عضو
مكتب الإرشاد، أنهم كمكتب إرشاد يعتمدون على ما قاله الشيخ يوسف القرضاوى فيما
يتعلق بتطبيق حد الردة، وهو استتابة من يرتد بدون وقت أو عدد مرات معين، طالما أنه
لا يؤذي المسلمين ولا يقوم بالدعوة للدين الجديد الذى اعتنقه.
وذكر نصر أن المادة
الثانية من الدستور المصرى كفيلة بأن تحفظ تطبيق الحدود في ضوء القانون الطبيعى
بدون إيجاد قانون جديد خاص بحد الردة، مشيرا إلى أنه طالما ذكر الدستور أن الشريعة
هي المصدر الرئيسي للتشريع فلابد أن تراعى جميع القوانين والتشريعات هذا النص عند
التطبيق، وعليه يؤكد أنهم كإخوان يبحثون عن تطبيق الرأي الغالب لدى جمهور العلماء
المسلمين من أهل السنة والجماعة، وهو " أن من يرتد يستتاب إلى عدد غير محدود
من المرات طالما أنه ابتعد عن إيذاء المسلمين أو ما لم يثبت أنه يدعو لنشر الدين
الجديد الذى دخل فيه".
واختتم نصر بأن الآراء
الفقهية والرأي الوسط والذى يحمل تيسيرا على الناس هو الأولى بالاتباع فى هذه
الحالة، وهو مراجعة أي مرتد وقتا طويلا أملا فى استتابته، وهو الراجح عند الفقهاء
والراجح فى الشرع، كما قال). المصدر : صحيفة اليوم السابع[1].
ويقول عبد المنعم أبو
الفتوح عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان:
(فالمقصود بالمرتد هو
الشخص الذي ينقلب على النظام العام
وليس المرتد عقائديا وهو ما يتضح في قوله تعالى: «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» كما أن قتال المرتدين بعد وفاة الرسول صلي
الله عليه وسلم كان ضد الخارجين على
النظام العام. (
المصدر جريدة المصري اليوم[2] .
المصدر جريدة المصري اليوم[2] .
وهذا كله دليل على أن
كلام جميل منصور الذي كتبنا هذه السطور في الرد عليه يعبر بالفعل عن موقف الإخوان
..
وأن إنكار وجوب قتل
المرتد هو الموقف الرسمي لجماعة الإخوان .
وقد رأيت أن من الواجب
بيان الحكم الشرعي في هذا الأمر بالنصوص المحكمة والادلة الواضحة، إبراء للذمة
وقياما بواجب النصح، فنسأل الله تعالى الإصابة والقبول، ونعوذ به من الزيغ والضلال
والانحراف .
أبو عبد الرحمن الشنقيطي .
26 ذي الحجة 1431هـ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق