الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

الإساءة للمقدسات الإسلامية.. منهجية الغرب وأهدافه

تكررت الإساءةُ إلى مقدَّسات المسلمين في الآونة الأخيرة تكرارًا لافتًا للنظر؛ نالت من النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن كتاب الله -عز وجل- وغير ذلك من المقدسات.. كما تنوعت مصادرُها وتعددت اتجاهاتُها، وكان آخرها إقدام شركة إيطالية على تسويق أغطية مراحيض تحمل آياتٍ كريماتٍ من سورة البقرة؛ وهو ما ينم عن منهجية غربية ثابتة في مواجهة معتقدات الأمة وثوابتها.

ونحاول في هذا المقال عرضَ المنهجية الغربية في الإساءة إلى المقدسات الإسلامية، ثم أهداف هذه الحملة ومنطلقاتها. 

المنهجية الغربية في الإساءة للمقدسات الإسلامية 
الغرب في إساءته تلك القبيحة للأمة انطلق من منهجية واضحة وراسخة في ذهنه، ولم يكن ذلك خبط عشواء أو ارتجالا كما يزعم البعض، أو فقط ردّةَ فعل على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية، بل نرى تناغمًا من ورائه قوى تحركُه في ظلام الجهل والحقد الغربي على الأمة الإسلامية. 

وهذه بعض خيوط ذلك المنهج الآثم من واقع ما مر بنا من تجارِبَ مريرةٍ انتُهِكت فيها أعظمُ مقدسات الإسلام: 
1- شمول الإساءة لكل ما هو مقدس في الإسلام:
الإساءة الغربية للمقدسات الإسلامية لم تقتصر على شئ واحد، بل تعددت أوجه الإساءة؛ فبعضُها تعرض للإسلام نفسه، وانتهاكات أخرى وُجِّهت لكتاب الله عز وجل، وثالثة عرّضت بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ورابعة وجهت إلى بعض شعائر الدين كالحجاب والصيام.  

- فقد انتهكت حرمة كتاب الله ووضع في القاذورات والمرحاض في سجون جوانتانامو نكاية في المعتقلين هناك، وشيء من ذلك أيضًا شهدته سجونُ الاحتلال الصهيوني، وفي رسالة نشرتها صحيفة "فولكسكرانت" بعنوان "كفى.. امنعوا القرآن"؛ وصف النائبُ الهولندي جيرت فيلدرز، رئيسُ حزب الحرية المصحفَ بأنه كتاب فاشي، وطالب بمنعه من البلاد. 

- وتعرّض النبي -صلى الله عليه وسلم- للسخرية من خلال الرسوم المسيئة في صحف الدانمارك والنرويج والسويد، هذا فضلاً عن المقالات التي عرضت له ولحياته بطريقة مهينة تنم عن حقد دفين. 

- واقترن الإسلام بـ"الإرهاب" بعد الهجمة التي قادتها الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وظهرت الدعواتُ اليمينية التي تدعو إلى طرد المسلمين من أوروبا، متزامنةً مع تصريح بابا الفاتيكان بأن الإسلام انتشر بالإكراه وحد السيف.  

- ويواجه النقابُ والحجاب حربًا مستعرة في عدد من الدول الأوروبية؛ إذ أبدى مفوض العدل بالاتحاد الأوروبي "فرانكو فاتيني" معارضتَه للحجاب؛ زاعمًا أن ارتداء المرأة المسلمة له داخل المجتمعات الغربية يزيد عملية الاندماج صعوبةً، وأنه يتعارض مع القيم والنظم الأوروبية الحضارية. 

كما أصدرت فرنسا قانونًا يحظر ارتداء الحجاب في المدارس، وتحظر بعضُ الولايات الألمانية على المعلمات في المدارس الحكومية ارتداء الحجاب، وكذلك حظرت إيطاليا جميع أغطية الوجه بأن أعادت العمل بقوانين قديمة كانت قد صدرت لمواجهة ما يسمى "الإرهاب" المحلي.  

2- الهجوم من قِبل جميع التيارات والشخصيات:
لم يعد التهجم على الإسلام والنيل من مقدساته حكرًا على فئة بعينها، غالية في تصوراتها، يمينية في أفكارها ومعتقداتها، بل شمل القطاعات الغربية كافة، بما فيها من رجال السياسة والصحافيين والممثلين ورسامي الكاريكاتير، وشرائح عدة من المجتمع الغربي. 

- فرئيس حزب التقدم المسيحي النرويجي "كارلي هاغين"، المعادي للعرب والمسلمين، تهجّم علانية على رسول الإسلام الذي هو في نظره يجبر الأطفالَ على قتل الآخرين (لأسلمة العالم). 

- والكاهن والواعظ السويدي "رينار سوغارد" وصف في جريدة "افتون بلادت" رسولَ الإسلام بأنه مرتبك للغاية ومزواج ويحب النساء، وخصوصًا الصغيرات منهن؛ حيث تزوّج بفتاة لم يتعدَّ عمرُها تسعَ سنوات.  

- وصحيفة "مغازينات" النرويجية أعادت نشر 12 رسمًا ساخرًا للرسول؛ بدعوى حرية التعبير، وذلك بعد أن نشرتها "يلاندز بوسطن". 
فالغرب يحرص على تنوّع مصدر الإساءة، فمرة تأتي من الفاتيكان، ومرة من السويد، وثالثة من الدانمارك.. وهكذا تأتي السهامُ من عدة جوانب ومن عدة دول وجهات؛ بهدف تفريق الجهود الإسلامية ومنع تجمعها على مصدر واحد وتشتيت قوتها، وحتى لا تحملَ عاصمةٌ واحدة أو جهةٌ ما عبءَ المواجهة وحدَها.  

3- العناية الغربية ببعض الأقلام المهاجرة واستغلالها:
استغل الغربُ بعضَ الأقلام المغمورة اللاهثة وراء الثروة والشهرة وأعطاها ما تريد؛ في سبيل أن تغمس أقلامها في تلك المؤامرة، وتسلط سهامَ نقدها المسمومة على الإسلام والمسلمين، ووجدت بالفعل بغيتها في فئة ضالة لم يكن أولها المفتون "سلمان رشدي"، صاحب كتاب "آيات شيطانية"، ولن تكون الكاتبة البنجالية المولد المرتدة عن الإسلام "تسليمة نسرين" آخرَ هؤلاء الموتورين الباحثين عن السراب. 

وإلى جانب هؤلاء يُبرز الغرب ويُعنَى بأولئك الذين فُتنوا عن دينهم بالردة، بل ويسعى جاهدًا ليفتح أمامهم المجالَ للطعن في الإسلام وتكوين الجمعيات والمنتديات الخاصة بهذا الشأن، ومن هؤلاء رئيس "جمعية المرتدين عن الإسلام في هولندا" إحسان جامعي، الذي ارتد عن الإسلام بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، وأسس مع زميلته ليلي برادة، وهي ناشطة في الحزب الليبرالي "جمعية المرتدين عن الإسلام في هولندا"، بدعم من اثنين من نقّاد الإسلام المعروفين بهولندا، وهما رجل القانون أفشين إليان والفيلسوف بول كليتور. 

4- الاستمرارية في الإساءة:
فالغرب يصر على الإساءة، ويمضي فيها قدمًا، حتى لا تكاد تمر الأيامُ القلائل إلا وتحمل الرياحُ الغربية إساءةً جديدة من جهة مغايرة، ومع كل مرة يرفضُ الاعتذار عما بدر منه ويسوغها بحرية التعبير المكفولة هناك، والتي لا يعرف لها نظير في بلاد العرب والمسلمين.  

الأهداف الغربية من تعمد الإساءة للمقدسات الإسلامية 
الغرب يهدف من وراء هذه المنهجية المنظمة في النيل من مقدسات المسلمين وعقائدهم إلى عدة أهداف منها الآتي: 
1- جس نبض الشارع العربي والإسلامي:
فالغرب يسعى لمعرفة حرارة التديّن في الشارع المسلم، والمصادر التي تقود إلى توهج هذه الحرارة، والعوامل التي تؤثر فيها، على نحو ما تفعل "إسرائيل" بالنسبة للمسجد الأقصى؛ إذ تختبر نية المسلمين تجاه مخططاتها الرامية إلى تقويض المسجد المبارك؛ وبناء على ردود الأفعال تحدد إحداثيات أفعالها المقبلة.  

2- جعل الإساءة إلى مقدسات المسلمين أمرًا طبيعيًا:
فالغرب يعمل على امتصاص ردود الفعل الشعبية المندفعة عقب كل حادثة، ثم يعاود الإساءةَ مرة أخرى؛ حتى يتكون شعورٌ داخلي لدى المسلمين بكون هذا الأمر طبيعيًا ومتقبلاً؛ وهو ما قد يكون له تأثير في منزلة هذه المعتقدات والمقدسات لدى المسلمين على مرور الأجيال، فيتم "تذويب" معالم الدين رويدًا حتى تظهر أجيالٌ ممسوخة تستحيي من هويتها وانتمائها الديني، وتجري لاهثة وراء الغرب وقيمه الخاوية التي يستعلي بها. 

3- تكوين رأي عام غربي مناهض للإسلام:
يسعى الغرب جاهدًا لتكوين رأي عام معادٍ للإسلام والمسلمين؛ من خلال التعرض المباشر لمقدسات الدين، وإظهار الإسلام على أنه نموذج للرجعية والتخلف، وأن دعاته همجيون لا يؤمنون بحرية الرأي والمعتقد. 
والرأي عندي أن دافع الغرب في ذلك هو إجهاض أي توجّه يقود الشعوب هناك لرؤية الإسلام بوجهه الحقيقي كما أنزله الله، والخوف من "أسلمة القارة الأوروبية"، وهو الأمر الذي لم يعد خافيًا على أحد؛ حتى نطقت به أفواهُ الغرب مرارًا، منهم رئيسُ الحزب المسيحي الاشتراكي والحليف الرئيس في الائتلاف الحاكم الألماني "إدموند شتويبر"، وصرح به كذلك "جيورج جاينزفاين" السكرتير الخاص للبابا بنديكيت السادس؛ محذرًا من ذوبان هوية القارة المسيحية. 
فالغرب يسعى جديًا لفرز عالم اليوم بين "شرق إسلامي إرهابي مدمّر" و"غرب مسيحي ديمقراطي متحضر"، وتأجيج الصراعات مع الإسلام بالنيل منه؛ ووضعه في موضع العدو هو سبيلهم إلى ذلك. 

4- الخشية من ركائز النهضة الإسلامية:
الغرب يدرك جيدًا أن نهضة هذه الأمة لن تكون إلا بالتمسك بمرجعيتها الدينية وثوابتها وهويتها الإسلامية، ومن ثَم فهو يخشى من يقظة العملاق مرة أخرى، وهو ما قد يقوِّض أحلامَه في سيادة الكون، خاصة مع التآكل الحادث في حضارته المادية التي أَشْقَت الإنسانيةَ التي باتت متطلعةً للمنقذ من هذا الضلال والشقاء المزخرف بمادية طاغية استعبدت الإنسانَ الغربي وأنهكت قواه الروحية.

أدرك الغرب تلك الحقيقة، فراح يقابلها بمحاولة القضاء على مرتكزات النهضة الإسلامية، المتمثلة في ثوابت الأمة ومقدساتها؛ خشية القادم الذي يزيله من كرسي الريادة، ويضعه حيث مكانه الصحيح في قاع الحضارة الإنسانية.  

5- وضع الإسلام في صورة متدنية عن بقية المعتقدات:
لا شك أن هذه الإساءة للمعتقدات الإسلامية يقابلها تشدّد مفرط في أية إشارة أو عبارة تشكك فيما ترى "إسرائيل" أنه من مقتضيات وجودها أو تاريخها، ومن ذلك الحديث عن "الهولوكست" الذي كان السجنُ والملاحقةُ القضائية جزاءَ من تعرّض له بالإنكار أو حتى مجرد التشكيك مهما علت منزلتُه وطالت قامته الأكاديمية والعلمية، وشيء من ذلك أيضًا لمن تعرّض للمسيحية أو المسيح عليه السلام. 

من هنا ندرك رغبة الغرب في إخراج الإسلام من بين المقدسات، وجعله في منزلة متدنية عن بقية الأديان؛ في محاولة لتهميش أتباعه وجعلهم خارج السياق التاريخي والحضاري، كغيرهم من أصحاب المعتقدات المنكفئة على نفسها البعيدة عن مجرى التأثير الحضاري.

بقي القول بأن مواجهة تلك الإساءة للمعتقدات الإسلامية تحتاج إلى دأب وصبر طويل، وتكاتف الجبهات المختلفة التي تستلهم في مواجهتها رُوحَ الجهاد والدفع عن الدين الخاتم، الذي فيه خلاصُ البشرية من أسقامها وأمراضها، واضعة نصب عينها أنه لن يكون النصر إلا بالصبر والمصابرة التي تعين على بلوغ المأرب والمراد، والإخلاص الذي يترفّع عن (أجندات) خاصة وأهداف جانبية تضيع في وسطها القضية المحورية.



 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة 
التعليقات


 

تعليقات الزوار
ترتيب التعليقات
6- مقاله جميله
عصام مأمون التكلة - سوريا 12-07-2012 02:36 PM
السلام عليكم. ورحمه الله وبركاته الموضوع رائع ولكم جزيل الشكر
5- الم يجعل كيدهم في تضليل
aya - Egypt 22-02-2008 01:50 AM
الاختيار للقضية وطريقة العرض والايجاز كان اكثر من رائع
هذة القضية هي المحك الذي يغير حال الامه بل يغير مصير العالم باكلمه
حسبنا الله ونعم الوكيل اللهم اعدنا للاسلام واعز ه وانصر المسلمين
ضعف المسلمين ببعدهم عن الله ومنهجه وسنة رسوله صلوات ربي وسلامه عليه يشجع هؤلاء علي التجاوز والتعدي ا لسافر علي عقيدتهم فهل من مقاوم
الموضوع في غاية الاهمية
جزاك الله عنه كل خيرا ونتمني المزيد من القضايا الهامه للنشر والتوعية والعمل علي الاصلاح من اجل امه ومن اجل عقيدة سليمه لاجيال واجيال
هيهات هيهات لاهدافهم فالخير في امه محمد ( صلي الله عليه واله وصحبه وسلم) الي يوم الدين باذن الله
سلمت يدك وقلمك وفكرك بارك الله فيك واليك
4- موافقة وتأييد
nasra - الأردن 21-02-2008 11:47 PM
أوافق على هذا العرض المدهش للقضية، وأؤيد بشدة جميع النقاط الواردة في تحليل منهجية الغرب وأهدافه، وهذا ما يتجلى يوماً بعد يوم في تصاعد الهجمات وتنوعها وتعدد مصادرها وتنامي مؤيديها.
بارك الله في صاحب هذه الدراسة ذات النظرة الشمولية للحدث، يتبقى استعراض بعض الحلول والعلاجات التي علينا نحن المسلمون اتخاذها واتباعها في سبيل مواجهة هذه الهجمة. ولدي اقتراحات منها:
أولاً: على المسلمين المقيمين في الخارجح تقع مسؤولية كبيرة، في تبيين وإيضاح الفكر الإسلامي والأخلاق الإسلامية من خلال التطبيق العملي للدين الإسلامي، في تعاملاتهم وتصرفاتهم وعلاقاتهم، ولا يجوز أن يشكلوا مجتمعات مغلقة على نفسها
ثانياً: على الإعلام والإعلاميين وأصحاب الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية يقع عبأ آخر، في إيضاح الدين الإسلامي وتبيين تعاليمه السمحة.
ثالثاً: على الأفراد والجماعات والتجار والمؤسسات تفعيل سلاح المقاطعة (...)، بدلاً من استخدام أساليب العنف والإيذاء التي تعزز موقف الهجمات لا موقفنا نحن.
رابعاً: على الحكومات والحكام إجراء ما يلزم من المحادثات والتحاورات (...) بما يتناسب مع الموقف والحاجة إلى ذلك.
وأخيراً بارك الله فيكم وجزاكم كل الخير
3- فلنحذر من الضياع
حسين / مدونة آهات مغترب - sweden 21-02-2008 11:57 AM
فلنحذر من الضياع

في مقالتكم هذه ذكرتم لماماً ـ و مشكورين لذلك ـ عن الهولوكوست و منع انتقادها


في الغرب .. و هذه الفكرة هي لبٌ هام و أساسي لابد من التركيز عليه .


الغرب نفسه عاني الأمرين سابقاً و مازال من الجهات التي تتبنى إعادة بناء الهيكل


التلمودي في القدس و الرمز العنيد للسيطرة اليهودية على العالم .


الغرب المسيحي حوربت فيه ركائز إيمانه بالنبي عيسى بن مريم عليه السلام كما


حورب المسيح منذ بعثته في أرض الشرق .


لماذا نركز على مسألة الغرب و مواجهته و حربه و لا نركز على العصب الأساسي


الذي تلاعب و أفسد و سخر كل الإمكانات و القوى لمواجهة الشرق المسلم .


العصب اليهودي الصهيوني الذي له اليد الطولى في هذه المواجهة الحاقدة ضد ثوابتنا


العقيدية .
2- شكر
سعيد انوار - المغرب 07-12-2007 03:30 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مقالة جميلة جدا اشكرك عليها كثيرا واسال الله ان يجعلها في ميزان حسناتك

رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/Sharia/0/1539/#ixzz28DNHYLtE

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق