الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

لماذا لم يسبوا المسيح؟! رسالةٌ إلى أهل الكتاب

لماذا لم يسبوا المسيح؟!

رسالةٌ إلى أهل الكتاب


سؤال إلى كل نصراني يُحكِّم العقل والأخلاق.

إلى كل نصراني فيه فِطرة من حب الحق والخير والجمال.

فقد آلَمَ كلَّ مسلم أن يُصوَّر نبيُّه بهذا الهَذيان، ويُرمى بالجنون والسفاهة، والكذب والاحتيال، ثم سبُّوا قرآننا بأنه مجرَّد نُقولٍ كتَبها ورقة بن نوفل الراهب، ثم أرسلها لنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - ثم رَموه بالشهوانية الجامحة، وغيرها من الأباطيل.

وكل هذه الحِيَل ليستْ بجديدة، وأتحدَّى مَن يأتي لنا بحيلة جديدة، وقرآننا قد كتَب عن كل هذه الأباطيل وفنَّدها تفصيليًّا، وردَّ الشبهات ردًّا مُنضبطًا مُحكمًا، ثم أتت السُّنة مُبيِّنة لذلك موضِّحة.

وهذا وحْده دليل على صِدق القرآن، وأنه من عند الله، ولو كان من عند غير الله، لأخفى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الشُّبهات والأكاذيب، وحجَبها عن أن تَرِد في القرآن، وآثَر المُداراة عن المواجهة، بل هذا دليل قويٌّ على تهافُت تلك الشُّبهات، وقوة حُجة القرآن المُبين.

ولو كان القرآن من عند غير الله، لما عاتَب المولى - عز وجل - رسولَه - صلى الله عليه وسلم - في القرآن الكريم على دقائق الأخلاق، ولَما عاتَبه في القرآن على أفعالٍ تُعَدُّ محامدَ لغيره - صلى الله عليه وسلم -.

فهل يعي عاقل أن يُلام رسولٌ في رسالة يَحملها في يده ليَنقلها للعالمين، ثم تكون من عنده هو؟!

فوالله، لو كان رسولاً إلى مَلِك من ملوك الأرض، لحذَف هذه المُعاتبات من الرسالة؟

وهل يقول عاقل: إن تأنيب الله - تبارك وتعالى - في القرآن للنبي - صلى الله عليه وسلم - على عبْسِه في وجه الأعمى، وتعجُّله في جمْع القرآن، وتحذيره من مداهنة الكفار، ثم هو يتركه بلا عتابٍ على أخلاق كما وصَفها هؤلاء الحمقى الحاقدون بلا تأنيبٍ ولا تأْليب؟

وبالرغم من معاتبة الله - تبارك وتعالى - لنبيِّه في القرآن الكريم، فإنني أتحدَّاكم أن تجدوا القرآن يذكر باقي أنبياء الله بأي سوءٍ، بل يوضِّح محاسن كلِّ نبي، ومكانته عند الرب - تبارك وتعالى - ومآثِره وجهاده وتضحياته في سبيل الدعوة إلى طريق الحق، وهذا يدل على أنه كتاب من عند الله - تبارك وتعالى.

وسؤالي لكم:
قد نهى نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - أن يسبَّ الرجل أباه، فسأله الصحابة - رضي الله عنهم -: وكيف يسب الرجل أباه يا رسول الله؟! فقال: ((يَسبُّ أبا الرجل، فيَسب أباه، ويَسب أُمَّه، فيَسب أمه)).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أكبر الذنب أن يسبَّ الرجل والديه))، قالوا: وكيف يسب الرجل والديه؟! قال)) يسبُّ أبا الرجل، فيسب أباه، ويسبُّ أمه، فيَسب أمه))[1].

فلا تَحسبوا أن الرد بالمثل لا يوجد في بديهتنا، أو أنه غائب عن عقولنا.

وبرغم أن أشد الآلام التي يعانيها المرء هي آلام الطعن في ثوابته ومقدَّساته، وهي أشد من سبِّ والديه، ولئن كان المسلمون قُدوتهم فعلاً هذا الذي فعَلوه في فيلمهم المسيء، وهذه هي حياتهم، وتلك أخلاقهم: كذب واحتيال، وحماقة وشذوذ، فلماذا لم يسبَّ المسلمون المسيح - عليه السلام؟ لماذا لم يردُّوا إساءة مقدَّساتهم بإساءة مقدَّساتكم؟ لماذا لم يَحرقوا كتابكم أو يُهينوه بأي وسيلة، وذلك كله رغم اختلاف ألسِنتهم وألوانهم وأجناسهم، وتباعُد أسفارهم، ورغم اختلاف أفكارهم وأخلاقهم وردود أفعالهم، ورغم الغَليان في أحشاء قلوبهم، والآلام في جوانح أضلاعهم؟!

لكن هل تعلمون السبب؟ لأننا نحترم الأنبياء.

فلماذا نحترم الأنبياء والرسل وهم أغلى عندنا من المال والنفس؟!

لأن نبيَّنا - صلى الله عليه وسلم - علَّمَنا أن توقير الأنبياء دينٌ، بل توقيرهم وعدم التفريق بين أحدٍ منهم عقيدةٌ راسخة في ديننا، ولأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - علَّمَنا مِن أول يوم دخَلْنا فيه الإسلام، أن نُؤمن بكُتب الله ورُسل الله، وأنهم رموز للطُّهر البشري، وأنهم مقياس للأخلاق الحميدة، فلا يجوز الطَّعن والسبُّ فيهم.

كما علَّمَنا - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يَكتمل إيمان المرء إلا بالإيمان بعيسى وموسى - عليهما السلام - ولا يكتمل إيمان المرء إلا بالإيمان بالإنجيل والتوراة التي أُنْزِلت عليهما، بل إن تفضيلنا أهلَ الكتاب على سائر الأديان، هو من صميم ديننا، ولكن هل تعلمون لماذا سبَّ هؤلاء نبيَّنا - صلى الله عليه وسلم؟!

لأن هذه عاداتهم منذ قديم الزمن، فإن لم تصدقوني، فابحثوا في كُتبكم المقدَّسة عمن سبَّ أنبياء الله: يعقوبَ وسليمان وداود، ولوطًا ويوسف وموسى، فلم ينجُ منهم أحد حتى رَمَوه بالخيانة أو الزنا واستحلال المحارم، أو التطاول على الذات الإلهية، أو الغش والخداع، والتحايل لأجل الشهوات.

فكان من الطبيعي لأحفاد هؤلاء السبَّابين، أن يُكملوا رسالتهم الحقيرة؛ ليَسبوا آخر رسول كما سبُّوا من قبله الرُّسل، وصدَق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: إنه لَبِنة في بُنيان الأنبياء، فهو ليس لبنة في دعوته وتبليغه الحق فحسْب، بل أيضًا في تشابُه الابتلاء والأعداء؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مثَلَي في النبيين كمثل رجلٍ بنى دارًا فأحْسَنها وأكملها وأجْملها، وترَك منها موضع لَبِنة، فجعل الناس يَطوفون بالبناء ويَعجبون منه، ويقولون: لو تَمَّ موضع تلك اللبِنة، وأنا في النبيين موضعُ تلك اللبِنة))[2].

دعوة مني إلى كل مَن يُحكِّم العقل والفطرة أن يفتح كتابه المقدَّس، ويفتح قرآننا، ويقارن بين قَصص الأنبياء هنا وهناك؛ ليعلم أنني ما كذَبت عليكم، والله الهادي إلى سواء السبيل.

وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحْبه وسلم.


[1] الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص، المحدث: أحمد شاكر،المصدر: مسند أحمد، الصفحة أو الرقم (11/72)، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح.
[2] الراوي: أُبي بن كعب، المحدث: الترمذي، المصدر: سنن الترمذي، الصفحة أو الرقم (3613)، خلاصة حكم المحدِّث: حسن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق