في فجر
الفاتح من ايلول 1969 كان الضابط الشاب معمر القذافي يخطو جيئة وذهابا في
أنحاء دار الاذاعة الرسمية في بنغازي. فلسبب غير واضح تأخر التقنيون عن
الوصول الى دار الاذاعة التي كانت ما تزال غارقة في الظلام. ولم يخطط
القذافي لبدء اليوم الحاسم في حياته وفي حياة دولته على هذا النحو.
وفي تلك الدقائق حقا كما كانت العادة كل صباح كان يفترض ان يوقظ مذيع المذياع كعادته سكان الدولة ومنهم والد القذافي الذي كان يعيش بعيدا في الصحراء ملاصقا مثل كثيرين آخرين في الدولة لمذياع ترانزيستور، ويُسمعهم آيات من القرآن. وكان معمر القذافي الذي ترعرع في مجتمع قبلي تغلغل فيه الوعي الديني العميق، يرى انه لا أنسب من تلاوة آيات من القرآن للاعداد لاعلانه المرتقب عن تبديل النظام.
وفي نهاية الامر استُعملت غرفة البث وبعد تلاوة آيات من القرآن والنشيد الوطني أعلن القذافي للشعب الليبي ابعاد النظام الملكي برئاسة محمد ادريس السنوسي، وبعبارة القذافي الذي امتنع في تلك المرحلة عن ذكر اسمه، 'اضاءة الليل المظلم الطويل' الذي غشي ليبيا، أي انهاء فترة الاحتلال الاجنبي المُذل، ومن ضمنه فترة 'النظام الملكي الرجعي الفاسد'. وأعلن القذافي اتمام الانقلاب العسكري الذي حمل اسم القدس، القدس التي يوجد المسجد الاقصى في مركزها.
لم يكن اختيار اسم القدس صدفة كما لم يكن شعار 'فلسطين لنا' صدفة للعرب المسلمين ومنهم الليبيون، والذي استعمله الثوار للتعارف بينهم زمن القيام بالانقلاب. وقد عبر الاختياران، أي 'القدس' و'فلسطين لنا' عن مركزية الدين الاسلامي والقومية العربية في برنامج عمل النظام الجديد. وأكد توكل القذافي على الله ورجاؤه البركة التي تحمل معها بزوغ فجر جديد على ليبيا والعالم العربي الاسلامي في الشرق الاوسط كله، أكد البُعد الاسلامي والقومي القوي الذي كان راسخا في هوية النظام الجديد من لدن توليه الحكم.
رفعت ثورة القذافي زمن اعلانها ثلاثة أعلام: التحرر (من الاستعمار الغربي)؛ والاشتراكية (الاسلامية)؛ والوحدة (العربية). وكانت هذه الأعلام بحسب ما قال الثوار ترمي الى التعبير عن الهوية الاسلامية والعربية لليبيا وتعزيزها ونصب قامتها القومية بعد 18 سنة استقلال بقيادة نظام ملكي موالي للغرب كانوا يرون انه فشل في تعظيم مكانة الاسلام في الدولة وأنه خدم بصورة مقيتة مصالحه الشخصية ومصالح الغرب على حساب القومية الليبية والعربية وخان بذلك الدولة الليبية ومجتمعها. وقد صاغت افكار جمال عبد الناصر وسياسته القوية، وهو الذي حظي باجلال القذافي، بقدر كبير تصور 'الجمهورية العربية الليبية' التي قامت على أنقاض النظام الملكي.
لم يعبر رفع راية الدين عن هوية الثوار وتصورهم العام فحسب بل خدم حاجات سياسية ثورية للنظام الجديد وقادته غير المعروفين. فقد كان الاسلام هو الذي عرض أوسع قاسم مشترك ربما كان الوحيد في ذلك الوقت للدولة الليبية ومجتمعها المنقسم ذي عناصر الهوية ومراكز القوة المختلفة بل المتضاربة والمتعادية. وكان القذافي عالما بالقيمة الحيوية لوسيلة القوة الدينية ـ الحضارية هذه واستعملها استعمالا ناجعا لا انقطاع له ليجند الجماهير ويوحدهم حول ثورته. وأصبح واضحا لزعيم ليبيا الجديد انه برغم موالاة قيم الثورة ورؤياها من قبل الجيش ودوائر اخرى منها المثقفون الذين جاؤوا من الضواحي الاجتماعية والجغرافية، أثار ابعاد الملك في ذلك الوقت ايضا معارضة وغضبا من دوائر كانت متصلة به من الجهتين الاقتصادية والسياسية ورأت النظام الملكي المخلوع نظاما شرعيا يعتمد على الجذور الدينية والتاريخية والسياسية العميقة للحركة السنوسية التي أدت دورا رائدا في صوغ تاريخ ليبيا الحديث. وبرز دورها على نحو خاص في قيادة النضال الوطني للاستعمار الايطالي الذي احتل ليبيا في 1911 وحكمها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. هذا الى كون الملك ادريس السنوسي هو الذي ترأس الدولة الليبية المستقلة منذ الرابع والعشرين من كانون الاول 1951 وهو الذي حظي بالمقام الاول المُسكر لقائد الدولة مع انشائها فورا وباعتراف المجتمع الدولي ايضا.
مركزية البُعد الاسلامي في التصور العام للنظام الجديد
لم يبرز البُعد الاسلامي في ادارة حياة الدولة وفي السلوك الشخصي والسياسي للقذافي في فترة تثبيت الحكم فحسب بل في فترة حكمه كلها التي دامت اربعة عقود. فقد برز البعد الاسلامي في الاصطلاح اليومي والرسمي للمؤسسة وقيادتها، وبرز هذا البعد ايضا في السلوك المشبع بالرموز والالوان والشعائر الدينية. وليس بالصدفة ان عُرفت ثورة القذافي بأنها 'الثورة الخضراء'؛ وليس بالصدفة ان عُرض الدستور الفكري الذي يُبين تصوره العام في مجالات المجتمع والدولة في أجزاء 'الكتاب الاخضر' الثلاثة؛ وليس بالصدفة ان رفعت ليبيا علمها الوطني الاخضر لأن اللون الاخضر هو لون الاسلام.
يمكن وقد قدمنا هذا ان نفهم لماذا فاجأ طوفان الاسلام المتطرف في ليبيا في أواخر القرن العشرين والذي سعى الى اسقاط نظام القذافي برغم صبغته الاسلامية الواضحة، لماذا فاجأ القذافي وضربه بقوة. ان دعوة الاسلام المتطرف في ليبيا الى 'جهاد النظام الكافر' بقصد استئصال هيمنته على السلطة كانت تحديا لهوية الدولة السياسية والدينية ومحاولة لاحداث تحول حاد في جميع اجهزتها حتى لو اقتضى ذلك اغتيال زعيم الدولة. ان هذا النشاط الاسلامي المتطرف في مواجهة النظام الاسلامي الواضح برزت غرابته لأول نظرة على الأقل. ومع ذلك فان البحث العميق في القضية المتعلقة بخصائص السياسة الليبية وقنوات معارضة النظام قد يُبين التناقض الديني الذي كان موجودا في ظاهر الامر بين محاولات الاسلام المتطرف حيازة مقاليد الحكم من النظام وبين هوية النظام ونشاطه الذي لا يعرف الكلل لتعظيم مكانة الاسلام في ليبيا وخارجها.
ان المساعدة التي بذلتها ليبيا لحركات مسلمة في الفلبين واريتيريا واوغندا وجمهورية وسط افريقيا، وتشاد واماكن اخرى، وتبرعاتها المالية السخية لانشاء مساجد ومدارس لتدريس الاسلام، شهدت على برنامج العمل الديني المؤكد لنظام القذافي. ومن هنا ينبغي ان نوسع البحث في التناقض الديني في ظاهر الامر وان نفحص خاصة عن مركزية جوانبه السياسية. ان البحث في الصراع بين النظام الاسلامي وسعي الاسلام المتطرف الى ضعضعته يتطرق الى محاولة قوى سياسية ـ دينية ـ ثقافية وغيرها الى احراز موقع تأثير في مركز أعصاب حكم الدولة.
ولما لم يكن عند الاسلاميين، أي المسلمين الذين نظموا أنفسهم في الحركات الاسلامية المتطرفة التي سعت الى موقع تأثير في السلطة، لما لم يكن عندهم صبر لانتظار ثمرات العمل البطيء المعروف في هذه الحركات والذي أساسه الوعظ والاعمال الخيرية والتربية، وأصبح واضحا أنهم لا يملكون قنوات سياسية واعلامية قد تُحدث تغييرا، أصبح من الواجب عليهم ان يحاولوا التغلغل الى النسيج المؤسسي والسياسي بكل طريقة ممكنة.
وفي الواقع الليبي كانت تلك طريقة العنف فقط لأن السبل السياسية اذا استثنينا سير النظام كانت مسدودة تماما. ان روح العصيان والعنف الاسلاميين المتطرفين اللذين ميزا ساحة الشرق الاوسط في ذلك الوقت غذت اهتمامهم العاجل بضعضعة 'احتكار الحكام الجدد' الذين يقودون 'الأمة المسلمة' الى العلمانية والحداثة والى اضاعة هويتها وقيمها ويمنعون المسلمين 'الحقيقيين' في نفس الوقت من التأثير في مسارات مركزية في المجتمع والدولة.
ان أحد الاسئلة الملحة زمن البحث في الطابع الديني لثورة القذافي هو: هل من الصحيح ان نميز هذه الثورة التي تبنت كما قلنا آنفا رموزا واصطلاحا ومضامين اسلامية مؤكدة، بأنها ثورة اسلامية متطرفة وقت توليها السلطة وخلال العقد الاول من حكمها حينما كانت تصوغ قيم الثورة؟ ان النظر في عناوين الاعلام الغربي التي صاحبت ثورة القذافي في أيامها الاولى يُبين انه وُجد آنذاك من رأوها تمثل 'اسلاما أصوليا وقومية عربية'. واستعمال مصطلح 'أصولي' ومصدره الخطاب الغربي أُلصق آنذاك بالثورة الليبية على أيدي جهات خارجية غربية بسبب صورتها الاسلامية القوية. ومع ذلك كان واضحا قبل عشر سنين من الثورة الاسلامية بقيادة الخميني وقبل ان ينشأ في الخطاب مصطلح أصولي في السياق الاسلامي، ان ثورة 'الضباط الأحرار' في ليبيا لم تكن ثورة اسلامية متطرفة ألبتة، ومن المؤكد أنها لم تشبه الثورة التي قادها آية الله الخميني في ايران في مطلع 1979 ولا تشبه الثورة التي جاءت بالنظام الاسلامي المتطرف ليحكم السودان في 1989.
ينبغي لنا ان نؤكد انه في أواخر ستينيات القرن الماضي حينما تولى القذافي الحكم لم يكد طوفان الاسلامي المتطرف ومشاركته العنيفة في السياسة يكونان معروفين في ليبيا حتى ولا في السودان وهي الدولة المسلمة المجاورة. وبخلافهما برز التطرف الاسلامي أو المشاركة الاسلامية المسلحة في سياسة الدولة القومية في مصر جارة ليبيا. وبرز التطرف الاسلامي في الساحة المصرية منذ سنين أو في واقع الامر منذ انشاء حركة الاخوان المسلمين في أواخر عشرينيات القرن العشرين.
ان الخصائص الاسلامية السياسية هذه التي زادت قوة بعد تولي جمال عبد الناصر الحكم في 1952، رآها القذافي ظاهرة سلبية موجهة على القيادة وعلى القومية العربية بقيادة رئيس مصر عبد الناصر، الزعيم العربي الواحد والوحيد الذي كان زعيم ليبيا يحترمه والذي أصبح مثالا للزعامة 'والقيم الصحيحة' يحتذي به. أيد القذافي النضال الذي لا هوادة فيه الذي قام به عبد الناصر لقمع المشاركة السياسية للاخوان المسلمين الذين زعموا ان الالتزام بالشريعة الاسلامية والقيم الدينية السلفية لا يعارض القومية والتقدم. ورفض عبد الناصر هذا القول وعمل على تقديم فكرة وحدة المجتمع الوطني المصري بحسب مبدأ: 'الدين لله والوطن للجميع'؛ و'مصر فوق الكل'. بعد ذلك استمد زعيم ليبيا من مخزونات ذاكرته من فترة حكم عبد الناصر وصراعه مع الاخوان المسلمين المصريين، تصميمه على ضرب حركات الاسلام المتطرف التي نشأت عنده في الداخل وهددت باسقاطه من الحكم في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، بصورة لا هوادة فيها. ولم ينفر هو ايضا مثل عبد الناصر الزعيم المثال في نظره من وسائل قمع المسلمين المتطرفين ومنها إعدامهم وتجريدهم من أملاكهم وسجنهم بلا محاكمة.
ان موت عبد الناصر في 1970 واحتضار القومية العربية وفشل جهود وحدة ليبيا مع دول العالم العربي، الى جانب قوة التوترات في الجهاز السياسي في طرابلس، حث القذافي على تعزيز اجهزة حكمه في الساحتين الداخلية والخارجية، وفي حين كان يُتم اتجاها حادا نحو الاتحاد السوفييتي مبتعدا عن العالم العربي ومقتربا من افريقيا، عرض القذافي تجديدات في الداخل ايضا، وقد صد فكره الفلسفي ـ 'النظرية الكونية الثالثة' ـ في صفحات الكتاب الاخضر الذي أصبح سريعا عماد ادارة المجتمع في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع تأكيد تصوره لكون القوتين الرئيستين، الدين والقومية، هما اللتان تحركان التاريخ الانساني، وكان واضحا في السياق الليبي انه يقصد الاسلام والقومية العربية التي صعب على القذافي برغم تهاويها غير المجيد، صعب عليه ان ينفصل عنها شعوريا وعقائديا.
القذافي والاسلام المتطرف: حرب بقاء في الحكم
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بعد عقدين لم تثر فيهما قضية الاسلام المتطرف ونشاطه المضاد لنظام الحكم قط في برنامج العمل العام أو برنامج العمل السياسي الظاهر ولم يكن معروفا انه ظاهرة في الحياة الليبية، كشف القذافي لأول مرة عما رأى انه تهديد الاسلام المتطرف لقيم 'المجتمع الليبي' ومكانته في الحكم. فقد اتُهم عشرة من مواطني الدولة منهم عسكريون ادُعي أنهم انتسبوا الى منظمة الجهاد الاسلامي المتطرفة، اتهموا بالخيانة والقيام بأعمال تخريب ومحاولات اغتيال لمسؤولي النظام الكبار وللمستشارين السوفييت الذين عملوا في ليبيا في ذلك الوقت. وأُعدم رجال منظمة الجهاد في ميدان المدينة إما شنقا وإما باطلاق النار عليهم على مرأى من الجمهور الذي دعته وسائل الاعلام التي يسيطر عليها النظام ليأتي وليرى ماذا يُصنع باولئك الذين ينتمون الى 'أعداء الله' و'أعداء الثورة'. وكانت الحادثة التي بُثت في محطة التلفاز الرسمية مصحوبة بتحذيرات شديدة من اجهزة النظام تقول 'هذا ما سيُصنع بمن اختار ان يسير في طريق الظلام، وفيمن يُعد من حلفاء الشيطان وعملاء الصهيونية والاستعمار'. كانت هذه الحادثة القاسية تشهد بأن الاسلام المتطرف ضرب بجذوره في ليبيا بل دخل الى صفوف الجيش الذي هو من ركائز القوة الرئيسة للنظام، وكان هذا تطورا خطيرا من وجهة نظر النظام. وحتى لو كان صحيحا الزعم الذي قال ان اعدام العسكريين تم إثر مشاركتهم في تمرد على نشاط عسكري آخر في تشاد الجارة لا بسبب مشاركتهم في الاسلام المتطرف فلم يكن في ذلك ما يضائل من خطر تهديد هذا الأخير لولاء الجيش والحياة السياسية في ليبيا وامساك النظام بمقاليد الحكم.
ان دخول الاسلام المتطرف الى ليبيا وإن كان متأخرا شيئا ما قياسا للمحيط الجغرافي المجاور، لم يكن مفاجئا لأن أمواج الاسلام المتطرف الذي زاد نشاطه المضاد للنظم القائمة ولم ينفر من استعمال العنف الذي اشتمل على الحرب الأهلية في الجزائر، قد قويت في مصر والجزائر والسودان جارات ليبيا من الشرق والغرب. بل ان الاسلام المتطرف نجح في السودان في الاستيلاء على الحكم بانقلاب عسكري في صيف 1989 ومنذ ذلك الحين يحكم ممثلوه الدولة. واضطر القذافي القلق الى مجابهة ظروف جديدة غريبة، فهو باعتباره زعيما مشبعا بالوعي الاسلامي العميق لم يكن متدينا بقدر كاف في نظر حلقات اسلامية مسلحة في دولته. بل انهم تجرأوا على اتهامه بـ 'الكفر' وسوغوا بذلك التآمر عليه. فليس مفاجئا اذا ان بادر حاكم ليبيا الى الرد بمحاربة 'أعداء الاسلام' الذين عرّفهم بنفس اللغة التي استعملوها، أي بأنهم 'كفار'. وعلاوة على تصفيتهم الجسدية أغلق نحوا من خمسين مؤسسة اسلامية في أنحاء الدولة تم فيها في زعمه نشاط اسلامي متطرف واستعمل رقابة شديدة من قبل 'لجان الثورة' وهي كلاب الحراسة العُقر للنظام. وفي نفس الوقت زاد النظام هجمات التشهير على المسلمين المتطرفين 'الكفار الذين يعملون على هدم الاسلام'. وبين القذافي في خطبة تشهير مسمومة نموذجية في تطرقه الى 'الوباء الخطير' كما قال، أي الاسلام المتطرف، بين تصوره العام الذي قال ان 'الاسلام هو القرآن لا غير. وكل شيء آخر كفر. وكل بدعة كفر. وكل الحركات الاسلامية التي تتسمى باسم الاخوان المسلمين وأسماء اخرى خائنة للاسلام وهادمة له وهي على كل حال تعمل برعاية الصهيونية والاستعمار الغربي'، وبعبارة اخرى، فان الاسلام المتطرف لا يعمل فقط على نقض الدين بل يعمل ايضا على نقض القومية الليبية والعربية، أي ان الجريمة مضاعفة.
عرض الصراع مع الغرب على أنه صراع بين الاسلام والمسيحية
برز التوتر بين الدين والقومية والسياسة في سلوك ليبيا كلما زاد الصراع بينها وبين الغرب بقيادة الولايات المتحدة في أواخر القرن العشرين، وقد كان الصراع مع الغرب عنصرا مركزيا في تصور القذافي العام منذ استولى على الحكم وتجاوز هذا التصور في واقع الامر المساحة الوطنية السياسية في الدولة في تصوره وانتقل الى ما رآه أو ما اختار ان يعرضه على أنه صراع شديد بين المسيحية والاسلام. 'ان الاسلام أصبح هدفا (معاديا) للغرب'، أعلن في واحد من تصريحاته النمطية عشية التهديد الدولي بفرض عقوبات شديدة على ليبيا بضغط من الولايات المتحدة وبريطانيا من اجل اضطراره الى تسليم المواطنين الليبيين اللذين كانا آنذاك بمنزلة مشتبه فيهما واتُهم أحدهما بعد ذلك بالمسؤولية عن تفجير طائرة شركة 'بان امريكان' فوق لوكربي في اسكتلندة في أواخر سنة 1988. 'ان المسيحية الغربية ترجو القضاء على الاسلام'، تابع تهييج النفوس في دولته وتوجيهها الى المواجهة المتصاعدة بينها وبين الغرب بعد استعمال العقوبات في الخامس عشر من نيسان 1992. ان 'الصليبيين'، وقد استعمل استعمالا محكما الاصطلاح المنقوش عميقا في الذاكرة الاسلامية الجماعية وانشأ بذلك سياقا صحيحا 'هم جرح لكرامة المسلمين والعرب. وهم يمنعون مواطني ليبيا من أداء ركن الحج الى الاماكن المقدسة' على أثر حظر الطيران من ليبيا واليها في نطاق عقوبات الامم المتحدة (عقوبات لوكربي). وأصبح تشديد الخناق الدولي على النظام ممكنا على أثر تغير النظام العالمي، أي انهيار الاتحاد السوفييتي وغياب راعي ليبيا عن الساحة الدولية وانشاء نظام هيمنة جديد بقيادة الولايات المتحدة التي رأتها ليبيا عدوها اللدود. واستمرت عقوبات لوكربي سبع سنوات وعرضت النظام لضغوط شديدة في الداخل والخارج. فقد ضعضعت العقوبات اقتصاد الدولة الذي يعتمد على تصدير النفط ومنتوجاته، في وقت بائس أصلا حدث فيه انخفاض حاد لاسعار النفط في السوق العالمية. وزعزع اشتداد الازمة الاقتصادية النظام الاجتماعي والسياسي وغذى نشاطا معارضا خطيرا تولت قيادته الحركات الاسلامية المتطرفة.
زاد ضعف القذافي السياسي وخيبة أمله واستمدا مما عرّفه بأنه 'خيانة العالم العربي' لليبيا. فقد أطاعت الدول العربية عقوبات الامم المتحدة وتخلت عن ليبيا في ساعتها الحرجة. و'أدبر' عدد منها في نفس الوقت عن التزام القضاء على اسرائيل وأصبحت لها علاقات سياسية واقتصادية بها.
وهكذا تصدعت لأول مرة في اثناء حكمه بل تحطمت الأسس التي قام عليها تصور القومية والزعامة الدينية للقذافي. وانتقضت سلسلة طويلة مركزية من المباديء هي: 'الوحدة العربية'، و'الأخوة الاسلامية'، و'القضاء على العدو الصهيوني وتحرير القدس'، و'تجنيد العالم العربي نفسه لمقاومة الاستعمار الغربي' ومن ضمن ذلك 'عدم قدرة أو عدم رغبة الدول العربية في استعمال النفط الذي تملكه سلاحا موجها على الغرب'. وبقي القذافي وحده متألما 'مكشوفا في الخندق العربي' يحارب الاسلام المتطرف في الداخل ويحارب 'الاستعمار الغربي' وتنكر العالم العربي في الخارج.
جُند الاسلام الآن الذي لم يكف عن كونه قيمة مهيمنة راسخة في عمق هوية النظام الليبي، جُند الآن من اجل بقاء القذافي في الحكم. وتم الصراع مع رأسي حربتين وجه الاول نحو الداخل الى الاسلام المتطرف ووجه الآخر الى الخارج لتجنيد تأييد للنظام ذي الوعي الاسلامي القوي الذي يجاهد بحسب تصوره باسم العالم العربي كله، الغرب 'الصليبي'. ففي الساحة الداخلية قضى النظام بلا رحمة على 'الكلاب الضالة. أي المسلمين المتطرفين الذين يستغلون الدين لأهداف سياسية. يجب قتلهم كالكلاب بلا محاكمة.
ولا تخافوا فلن يوقفكم أحد (من سلطات الأمن) ولن يحاكمكم على قتل كافر'. كرر القذافي تهييج مواطني ليبيا على 'الكفار'. وعاد وأكد ان ضحيتي الاسلام المتطرف هما 'القومية العربية' و'الوحدة العربية' وأن ما يقف من وراء الاسلام المتطرف في ليبيا هو 'عدو العرب' أي 'الموساد الاسرائيلي'.
والاسلام المتطرف شهادة على 'إفلاس الأمة والوطن العربي'، كما أكد في مناسبة اخرى، وحث الدول العربية على ان تحارب 'في جبهة واحدة' 'الكفار المسلمين'. وبصورة تثير الاهتمام جند زعيم ليبيا الذي سلم لانهيار قيم الوحدة في العالم العربي واستوعب انهيار الخيار العسكري العربي العام لمواجهة 'العدو الصهيوني'، جند الآن هذه القيم وعاد ونفخ فيها الروح للقضاء على التهديد الاسلامي المتطرف في الداخل.
أدار القذافي صراعه مع الغرب 'الاستعماري والصليبي' باطلاق حجارة مجانيق دعائية ثقيلة اشتملت على خليط من المواد الدينية والقومية والسياسية وفيها الزعم المكرر الذي يقول ان الموساد الاسرائيلي والاستخبارات الامريكية والبريطانية تحرك الاسلام المتطرف وهدفها 'توجيه ضربة قوية الى الاسلام والعروبة'.
وبصورة متناقضة تعارض هجومه على الاسلام المتطرف، هدد زعيم ليبيا الغرب بتهديدات تشبه تهديدات الاسلام المتطرف الذي حاربه كي يضغط على الغرب ليكف عن عقوباته لليبيا. وأوضح ان 'مجموعات اسلامية (معادية للغرب) تضغط عليه لاعلان الجهاد ولجعل طرابلس تصبح القدس ولجعل الجيش الليبي جيش صلاح الدين'.
وقال في حماسة ان المسلمين 'يطلبون تحويل ليبيا الى دولة الخلافة، فهم يحتاجون الى خليفة اذا قبلت هذا المنصب'، هدد، فسيحترق العالم كله. ولهذا عاد فأكد انه 'ينبغي سحق رأس كل مسلم متطرف كما تسحقون رأس أفعى'.
وباعتماده على اصطلاح معروف جيدا له وللمجتمع الليبي عاد القذافي وشبه خطر الاسلام المتطرف بمجموع الأخطار التي تتعرض لها ليبيا والعالم العربي من قبل 'الكيان الصهيوني والصليبيين والاستعمار'.
في حين ترجع أصول المصطلحين 'الكيان الصهيوني' و'الاستعمار الغربي' الى بدء خطاب القذافي في ستينيات القرن الماضي، كان استعمال زعيم ليبيا لمصطلح 'الصليبيين' في تسعينيات القرن الماضي جديدا نسبيا وجسد رسالة تبجحية نحو الداخل ونحو الخارج في الأساس.
وكان معنى رسالة القذافي هو ان نضاله المشبع بالروح الدينية وهو نضال يشبه ضمنيا الجهاد الذي قاده صلاح الدين، هو أنه سيهزم آخر الامر الغرب المسيحي و'الصليبيين'، تمجيدا للعالم الاسلامي. ان عرض النضال للغرب على أنه جهاد ديني كان يرمي الى التعمية على سلوك النظام الليبي المشبع بالعداء السياسي والمعارض للمصالح الحيوية للغرب والذي جلب على الدولة أكثر من كل شيء آخر وعلى النظام الذي يرأسها الهجوم الجوي من الولايات المتحدة وكارثة العقوبات والازمة الاقتصادية بصورة غير مباشرة والعزلة العربية وخطر الاسلام المتطرف قبل كل شيء.
وفي نهاية الامر في التحول من القرن العشرين الى القرن الواحد والعشرين صالح القذافي الغرب الذي ساعده ويا للسخرية على القضاء على خطر الاسلام المتطرف في دولته وحولها، وربما مكّن له بذلك من الاحتفال بيوم الذكرى الاربعين لتوليه الحكم. وتجسد تضليل القدَر بحقيقة ان الغرب الصليبي البغيض الى القذافي هو الذي تعاون معه على القضاء على جيوب الاسلام المتطرف في ليبيا. وهذه المصالحة جعلت اقتصاد ليبيا يقفز الى قمم جديدة وعززت مكانة القذافي السياسية.
ومن التناقض ان وجدت ليبيا والغرب أنفسهما في الجانب نفسه من الخندق في محاربة الارهاب الاسلامي المتطرف، الذي بلغ ذروته بعد أحداث ايلول 2001. وقد تقاسمت ليبيا والغرب الآن أو المسلمون والصليبيون اذا ما تبنينا اصطلاح القذافي قُبيل المصالحة، تقاسما مصالح مشتركة أبعدت ليبيا عن علامات الطريق التي بينت سلوكها في أكثر سني حكم القذافي.
ولاول مرة في تاريخ النظام الليبي تعدى سلوكه الفضاءات الفكرية والسياسية والدينية والثقافية والقومية التقليدية وتبنى لنفسه، وإن يكن ذلك بقسر من الظروف لا بتسليم مطمئن، أدوات ومباديء جديدة لتدبير شأنه.
يهوديت رونين
مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الاوسط وافريقيا
وفي تلك الدقائق حقا كما كانت العادة كل صباح كان يفترض ان يوقظ مذيع المذياع كعادته سكان الدولة ومنهم والد القذافي الذي كان يعيش بعيدا في الصحراء ملاصقا مثل كثيرين آخرين في الدولة لمذياع ترانزيستور، ويُسمعهم آيات من القرآن. وكان معمر القذافي الذي ترعرع في مجتمع قبلي تغلغل فيه الوعي الديني العميق، يرى انه لا أنسب من تلاوة آيات من القرآن للاعداد لاعلانه المرتقب عن تبديل النظام.
وفي نهاية الامر استُعملت غرفة البث وبعد تلاوة آيات من القرآن والنشيد الوطني أعلن القذافي للشعب الليبي ابعاد النظام الملكي برئاسة محمد ادريس السنوسي، وبعبارة القذافي الذي امتنع في تلك المرحلة عن ذكر اسمه، 'اضاءة الليل المظلم الطويل' الذي غشي ليبيا، أي انهاء فترة الاحتلال الاجنبي المُذل، ومن ضمنه فترة 'النظام الملكي الرجعي الفاسد'. وأعلن القذافي اتمام الانقلاب العسكري الذي حمل اسم القدس، القدس التي يوجد المسجد الاقصى في مركزها.
لم يكن اختيار اسم القدس صدفة كما لم يكن شعار 'فلسطين لنا' صدفة للعرب المسلمين ومنهم الليبيون، والذي استعمله الثوار للتعارف بينهم زمن القيام بالانقلاب. وقد عبر الاختياران، أي 'القدس' و'فلسطين لنا' عن مركزية الدين الاسلامي والقومية العربية في برنامج عمل النظام الجديد. وأكد توكل القذافي على الله ورجاؤه البركة التي تحمل معها بزوغ فجر جديد على ليبيا والعالم العربي الاسلامي في الشرق الاوسط كله، أكد البُعد الاسلامي والقومي القوي الذي كان راسخا في هوية النظام الجديد من لدن توليه الحكم.
رفعت ثورة القذافي زمن اعلانها ثلاثة أعلام: التحرر (من الاستعمار الغربي)؛ والاشتراكية (الاسلامية)؛ والوحدة (العربية). وكانت هذه الأعلام بحسب ما قال الثوار ترمي الى التعبير عن الهوية الاسلامية والعربية لليبيا وتعزيزها ونصب قامتها القومية بعد 18 سنة استقلال بقيادة نظام ملكي موالي للغرب كانوا يرون انه فشل في تعظيم مكانة الاسلام في الدولة وأنه خدم بصورة مقيتة مصالحه الشخصية ومصالح الغرب على حساب القومية الليبية والعربية وخان بذلك الدولة الليبية ومجتمعها. وقد صاغت افكار جمال عبد الناصر وسياسته القوية، وهو الذي حظي باجلال القذافي، بقدر كبير تصور 'الجمهورية العربية الليبية' التي قامت على أنقاض النظام الملكي.
لم يعبر رفع راية الدين عن هوية الثوار وتصورهم العام فحسب بل خدم حاجات سياسية ثورية للنظام الجديد وقادته غير المعروفين. فقد كان الاسلام هو الذي عرض أوسع قاسم مشترك ربما كان الوحيد في ذلك الوقت للدولة الليبية ومجتمعها المنقسم ذي عناصر الهوية ومراكز القوة المختلفة بل المتضاربة والمتعادية. وكان القذافي عالما بالقيمة الحيوية لوسيلة القوة الدينية ـ الحضارية هذه واستعملها استعمالا ناجعا لا انقطاع له ليجند الجماهير ويوحدهم حول ثورته. وأصبح واضحا لزعيم ليبيا الجديد انه برغم موالاة قيم الثورة ورؤياها من قبل الجيش ودوائر اخرى منها المثقفون الذين جاؤوا من الضواحي الاجتماعية والجغرافية، أثار ابعاد الملك في ذلك الوقت ايضا معارضة وغضبا من دوائر كانت متصلة به من الجهتين الاقتصادية والسياسية ورأت النظام الملكي المخلوع نظاما شرعيا يعتمد على الجذور الدينية والتاريخية والسياسية العميقة للحركة السنوسية التي أدت دورا رائدا في صوغ تاريخ ليبيا الحديث. وبرز دورها على نحو خاص في قيادة النضال الوطني للاستعمار الايطالي الذي احتل ليبيا في 1911 وحكمها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. هذا الى كون الملك ادريس السنوسي هو الذي ترأس الدولة الليبية المستقلة منذ الرابع والعشرين من كانون الاول 1951 وهو الذي حظي بالمقام الاول المُسكر لقائد الدولة مع انشائها فورا وباعتراف المجتمع الدولي ايضا.
مركزية البُعد الاسلامي في التصور العام للنظام الجديد
لم يبرز البُعد الاسلامي في ادارة حياة الدولة وفي السلوك الشخصي والسياسي للقذافي في فترة تثبيت الحكم فحسب بل في فترة حكمه كلها التي دامت اربعة عقود. فقد برز البعد الاسلامي في الاصطلاح اليومي والرسمي للمؤسسة وقيادتها، وبرز هذا البعد ايضا في السلوك المشبع بالرموز والالوان والشعائر الدينية. وليس بالصدفة ان عُرفت ثورة القذافي بأنها 'الثورة الخضراء'؛ وليس بالصدفة ان عُرض الدستور الفكري الذي يُبين تصوره العام في مجالات المجتمع والدولة في أجزاء 'الكتاب الاخضر' الثلاثة؛ وليس بالصدفة ان رفعت ليبيا علمها الوطني الاخضر لأن اللون الاخضر هو لون الاسلام.
يمكن وقد قدمنا هذا ان نفهم لماذا فاجأ طوفان الاسلام المتطرف في ليبيا في أواخر القرن العشرين والذي سعى الى اسقاط نظام القذافي برغم صبغته الاسلامية الواضحة، لماذا فاجأ القذافي وضربه بقوة. ان دعوة الاسلام المتطرف في ليبيا الى 'جهاد النظام الكافر' بقصد استئصال هيمنته على السلطة كانت تحديا لهوية الدولة السياسية والدينية ومحاولة لاحداث تحول حاد في جميع اجهزتها حتى لو اقتضى ذلك اغتيال زعيم الدولة. ان هذا النشاط الاسلامي المتطرف في مواجهة النظام الاسلامي الواضح برزت غرابته لأول نظرة على الأقل. ومع ذلك فان البحث العميق في القضية المتعلقة بخصائص السياسة الليبية وقنوات معارضة النظام قد يُبين التناقض الديني الذي كان موجودا في ظاهر الامر بين محاولات الاسلام المتطرف حيازة مقاليد الحكم من النظام وبين هوية النظام ونشاطه الذي لا يعرف الكلل لتعظيم مكانة الاسلام في ليبيا وخارجها.
ان المساعدة التي بذلتها ليبيا لحركات مسلمة في الفلبين واريتيريا واوغندا وجمهورية وسط افريقيا، وتشاد واماكن اخرى، وتبرعاتها المالية السخية لانشاء مساجد ومدارس لتدريس الاسلام، شهدت على برنامج العمل الديني المؤكد لنظام القذافي. ومن هنا ينبغي ان نوسع البحث في التناقض الديني في ظاهر الامر وان نفحص خاصة عن مركزية جوانبه السياسية. ان البحث في الصراع بين النظام الاسلامي وسعي الاسلام المتطرف الى ضعضعته يتطرق الى محاولة قوى سياسية ـ دينية ـ ثقافية وغيرها الى احراز موقع تأثير في مركز أعصاب حكم الدولة.
ولما لم يكن عند الاسلاميين، أي المسلمين الذين نظموا أنفسهم في الحركات الاسلامية المتطرفة التي سعت الى موقع تأثير في السلطة، لما لم يكن عندهم صبر لانتظار ثمرات العمل البطيء المعروف في هذه الحركات والذي أساسه الوعظ والاعمال الخيرية والتربية، وأصبح واضحا أنهم لا يملكون قنوات سياسية واعلامية قد تُحدث تغييرا، أصبح من الواجب عليهم ان يحاولوا التغلغل الى النسيج المؤسسي والسياسي بكل طريقة ممكنة.
وفي الواقع الليبي كانت تلك طريقة العنف فقط لأن السبل السياسية اذا استثنينا سير النظام كانت مسدودة تماما. ان روح العصيان والعنف الاسلاميين المتطرفين اللذين ميزا ساحة الشرق الاوسط في ذلك الوقت غذت اهتمامهم العاجل بضعضعة 'احتكار الحكام الجدد' الذين يقودون 'الأمة المسلمة' الى العلمانية والحداثة والى اضاعة هويتها وقيمها ويمنعون المسلمين 'الحقيقيين' في نفس الوقت من التأثير في مسارات مركزية في المجتمع والدولة.
ان أحد الاسئلة الملحة زمن البحث في الطابع الديني لثورة القذافي هو: هل من الصحيح ان نميز هذه الثورة التي تبنت كما قلنا آنفا رموزا واصطلاحا ومضامين اسلامية مؤكدة، بأنها ثورة اسلامية متطرفة وقت توليها السلطة وخلال العقد الاول من حكمها حينما كانت تصوغ قيم الثورة؟ ان النظر في عناوين الاعلام الغربي التي صاحبت ثورة القذافي في أيامها الاولى يُبين انه وُجد آنذاك من رأوها تمثل 'اسلاما أصوليا وقومية عربية'. واستعمال مصطلح 'أصولي' ومصدره الخطاب الغربي أُلصق آنذاك بالثورة الليبية على أيدي جهات خارجية غربية بسبب صورتها الاسلامية القوية. ومع ذلك كان واضحا قبل عشر سنين من الثورة الاسلامية بقيادة الخميني وقبل ان ينشأ في الخطاب مصطلح أصولي في السياق الاسلامي، ان ثورة 'الضباط الأحرار' في ليبيا لم تكن ثورة اسلامية متطرفة ألبتة، ومن المؤكد أنها لم تشبه الثورة التي قادها آية الله الخميني في ايران في مطلع 1979 ولا تشبه الثورة التي جاءت بالنظام الاسلامي المتطرف ليحكم السودان في 1989.
ينبغي لنا ان نؤكد انه في أواخر ستينيات القرن الماضي حينما تولى القذافي الحكم لم يكد طوفان الاسلامي المتطرف ومشاركته العنيفة في السياسة يكونان معروفين في ليبيا حتى ولا في السودان وهي الدولة المسلمة المجاورة. وبخلافهما برز التطرف الاسلامي أو المشاركة الاسلامية المسلحة في سياسة الدولة القومية في مصر جارة ليبيا. وبرز التطرف الاسلامي في الساحة المصرية منذ سنين أو في واقع الامر منذ انشاء حركة الاخوان المسلمين في أواخر عشرينيات القرن العشرين.
ان الخصائص الاسلامية السياسية هذه التي زادت قوة بعد تولي جمال عبد الناصر الحكم في 1952، رآها القذافي ظاهرة سلبية موجهة على القيادة وعلى القومية العربية بقيادة رئيس مصر عبد الناصر، الزعيم العربي الواحد والوحيد الذي كان زعيم ليبيا يحترمه والذي أصبح مثالا للزعامة 'والقيم الصحيحة' يحتذي به. أيد القذافي النضال الذي لا هوادة فيه الذي قام به عبد الناصر لقمع المشاركة السياسية للاخوان المسلمين الذين زعموا ان الالتزام بالشريعة الاسلامية والقيم الدينية السلفية لا يعارض القومية والتقدم. ورفض عبد الناصر هذا القول وعمل على تقديم فكرة وحدة المجتمع الوطني المصري بحسب مبدأ: 'الدين لله والوطن للجميع'؛ و'مصر فوق الكل'. بعد ذلك استمد زعيم ليبيا من مخزونات ذاكرته من فترة حكم عبد الناصر وصراعه مع الاخوان المسلمين المصريين، تصميمه على ضرب حركات الاسلام المتطرف التي نشأت عنده في الداخل وهددت باسقاطه من الحكم في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، بصورة لا هوادة فيها. ولم ينفر هو ايضا مثل عبد الناصر الزعيم المثال في نظره من وسائل قمع المسلمين المتطرفين ومنها إعدامهم وتجريدهم من أملاكهم وسجنهم بلا محاكمة.
ان موت عبد الناصر في 1970 واحتضار القومية العربية وفشل جهود وحدة ليبيا مع دول العالم العربي، الى جانب قوة التوترات في الجهاز السياسي في طرابلس، حث القذافي على تعزيز اجهزة حكمه في الساحتين الداخلية والخارجية، وفي حين كان يُتم اتجاها حادا نحو الاتحاد السوفييتي مبتعدا عن العالم العربي ومقتربا من افريقيا، عرض القذافي تجديدات في الداخل ايضا، وقد صد فكره الفلسفي ـ 'النظرية الكونية الثالثة' ـ في صفحات الكتاب الاخضر الذي أصبح سريعا عماد ادارة المجتمع في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع تأكيد تصوره لكون القوتين الرئيستين، الدين والقومية، هما اللتان تحركان التاريخ الانساني، وكان واضحا في السياق الليبي انه يقصد الاسلام والقومية العربية التي صعب على القذافي برغم تهاويها غير المجيد، صعب عليه ان ينفصل عنها شعوريا وعقائديا.
القذافي والاسلام المتطرف: حرب بقاء في الحكم
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بعد عقدين لم تثر فيهما قضية الاسلام المتطرف ونشاطه المضاد لنظام الحكم قط في برنامج العمل العام أو برنامج العمل السياسي الظاهر ولم يكن معروفا انه ظاهرة في الحياة الليبية، كشف القذافي لأول مرة عما رأى انه تهديد الاسلام المتطرف لقيم 'المجتمع الليبي' ومكانته في الحكم. فقد اتُهم عشرة من مواطني الدولة منهم عسكريون ادُعي أنهم انتسبوا الى منظمة الجهاد الاسلامي المتطرفة، اتهموا بالخيانة والقيام بأعمال تخريب ومحاولات اغتيال لمسؤولي النظام الكبار وللمستشارين السوفييت الذين عملوا في ليبيا في ذلك الوقت. وأُعدم رجال منظمة الجهاد في ميدان المدينة إما شنقا وإما باطلاق النار عليهم على مرأى من الجمهور الذي دعته وسائل الاعلام التي يسيطر عليها النظام ليأتي وليرى ماذا يُصنع باولئك الذين ينتمون الى 'أعداء الله' و'أعداء الثورة'. وكانت الحادثة التي بُثت في محطة التلفاز الرسمية مصحوبة بتحذيرات شديدة من اجهزة النظام تقول 'هذا ما سيُصنع بمن اختار ان يسير في طريق الظلام، وفيمن يُعد من حلفاء الشيطان وعملاء الصهيونية والاستعمار'. كانت هذه الحادثة القاسية تشهد بأن الاسلام المتطرف ضرب بجذوره في ليبيا بل دخل الى صفوف الجيش الذي هو من ركائز القوة الرئيسة للنظام، وكان هذا تطورا خطيرا من وجهة نظر النظام. وحتى لو كان صحيحا الزعم الذي قال ان اعدام العسكريين تم إثر مشاركتهم في تمرد على نشاط عسكري آخر في تشاد الجارة لا بسبب مشاركتهم في الاسلام المتطرف فلم يكن في ذلك ما يضائل من خطر تهديد هذا الأخير لولاء الجيش والحياة السياسية في ليبيا وامساك النظام بمقاليد الحكم.
ان دخول الاسلام المتطرف الى ليبيا وإن كان متأخرا شيئا ما قياسا للمحيط الجغرافي المجاور، لم يكن مفاجئا لأن أمواج الاسلام المتطرف الذي زاد نشاطه المضاد للنظم القائمة ولم ينفر من استعمال العنف الذي اشتمل على الحرب الأهلية في الجزائر، قد قويت في مصر والجزائر والسودان جارات ليبيا من الشرق والغرب. بل ان الاسلام المتطرف نجح في السودان في الاستيلاء على الحكم بانقلاب عسكري في صيف 1989 ومنذ ذلك الحين يحكم ممثلوه الدولة. واضطر القذافي القلق الى مجابهة ظروف جديدة غريبة، فهو باعتباره زعيما مشبعا بالوعي الاسلامي العميق لم يكن متدينا بقدر كاف في نظر حلقات اسلامية مسلحة في دولته. بل انهم تجرأوا على اتهامه بـ 'الكفر' وسوغوا بذلك التآمر عليه. فليس مفاجئا اذا ان بادر حاكم ليبيا الى الرد بمحاربة 'أعداء الاسلام' الذين عرّفهم بنفس اللغة التي استعملوها، أي بأنهم 'كفار'. وعلاوة على تصفيتهم الجسدية أغلق نحوا من خمسين مؤسسة اسلامية في أنحاء الدولة تم فيها في زعمه نشاط اسلامي متطرف واستعمل رقابة شديدة من قبل 'لجان الثورة' وهي كلاب الحراسة العُقر للنظام. وفي نفس الوقت زاد النظام هجمات التشهير على المسلمين المتطرفين 'الكفار الذين يعملون على هدم الاسلام'. وبين القذافي في خطبة تشهير مسمومة نموذجية في تطرقه الى 'الوباء الخطير' كما قال، أي الاسلام المتطرف، بين تصوره العام الذي قال ان 'الاسلام هو القرآن لا غير. وكل شيء آخر كفر. وكل بدعة كفر. وكل الحركات الاسلامية التي تتسمى باسم الاخوان المسلمين وأسماء اخرى خائنة للاسلام وهادمة له وهي على كل حال تعمل برعاية الصهيونية والاستعمار الغربي'، وبعبارة اخرى، فان الاسلام المتطرف لا يعمل فقط على نقض الدين بل يعمل ايضا على نقض القومية الليبية والعربية، أي ان الجريمة مضاعفة.
عرض الصراع مع الغرب على أنه صراع بين الاسلام والمسيحية
برز التوتر بين الدين والقومية والسياسة في سلوك ليبيا كلما زاد الصراع بينها وبين الغرب بقيادة الولايات المتحدة في أواخر القرن العشرين، وقد كان الصراع مع الغرب عنصرا مركزيا في تصور القذافي العام منذ استولى على الحكم وتجاوز هذا التصور في واقع الامر المساحة الوطنية السياسية في الدولة في تصوره وانتقل الى ما رآه أو ما اختار ان يعرضه على أنه صراع شديد بين المسيحية والاسلام. 'ان الاسلام أصبح هدفا (معاديا) للغرب'، أعلن في واحد من تصريحاته النمطية عشية التهديد الدولي بفرض عقوبات شديدة على ليبيا بضغط من الولايات المتحدة وبريطانيا من اجل اضطراره الى تسليم المواطنين الليبيين اللذين كانا آنذاك بمنزلة مشتبه فيهما واتُهم أحدهما بعد ذلك بالمسؤولية عن تفجير طائرة شركة 'بان امريكان' فوق لوكربي في اسكتلندة في أواخر سنة 1988. 'ان المسيحية الغربية ترجو القضاء على الاسلام'، تابع تهييج النفوس في دولته وتوجيهها الى المواجهة المتصاعدة بينها وبين الغرب بعد استعمال العقوبات في الخامس عشر من نيسان 1992. ان 'الصليبيين'، وقد استعمل استعمالا محكما الاصطلاح المنقوش عميقا في الذاكرة الاسلامية الجماعية وانشأ بذلك سياقا صحيحا 'هم جرح لكرامة المسلمين والعرب. وهم يمنعون مواطني ليبيا من أداء ركن الحج الى الاماكن المقدسة' على أثر حظر الطيران من ليبيا واليها في نطاق عقوبات الامم المتحدة (عقوبات لوكربي). وأصبح تشديد الخناق الدولي على النظام ممكنا على أثر تغير النظام العالمي، أي انهيار الاتحاد السوفييتي وغياب راعي ليبيا عن الساحة الدولية وانشاء نظام هيمنة جديد بقيادة الولايات المتحدة التي رأتها ليبيا عدوها اللدود. واستمرت عقوبات لوكربي سبع سنوات وعرضت النظام لضغوط شديدة في الداخل والخارج. فقد ضعضعت العقوبات اقتصاد الدولة الذي يعتمد على تصدير النفط ومنتوجاته، في وقت بائس أصلا حدث فيه انخفاض حاد لاسعار النفط في السوق العالمية. وزعزع اشتداد الازمة الاقتصادية النظام الاجتماعي والسياسي وغذى نشاطا معارضا خطيرا تولت قيادته الحركات الاسلامية المتطرفة.
زاد ضعف القذافي السياسي وخيبة أمله واستمدا مما عرّفه بأنه 'خيانة العالم العربي' لليبيا. فقد أطاعت الدول العربية عقوبات الامم المتحدة وتخلت عن ليبيا في ساعتها الحرجة. و'أدبر' عدد منها في نفس الوقت عن التزام القضاء على اسرائيل وأصبحت لها علاقات سياسية واقتصادية بها.
وهكذا تصدعت لأول مرة في اثناء حكمه بل تحطمت الأسس التي قام عليها تصور القومية والزعامة الدينية للقذافي. وانتقضت سلسلة طويلة مركزية من المباديء هي: 'الوحدة العربية'، و'الأخوة الاسلامية'، و'القضاء على العدو الصهيوني وتحرير القدس'، و'تجنيد العالم العربي نفسه لمقاومة الاستعمار الغربي' ومن ضمن ذلك 'عدم قدرة أو عدم رغبة الدول العربية في استعمال النفط الذي تملكه سلاحا موجها على الغرب'. وبقي القذافي وحده متألما 'مكشوفا في الخندق العربي' يحارب الاسلام المتطرف في الداخل ويحارب 'الاستعمار الغربي' وتنكر العالم العربي في الخارج.
جُند الاسلام الآن الذي لم يكف عن كونه قيمة مهيمنة راسخة في عمق هوية النظام الليبي، جُند الآن من اجل بقاء القذافي في الحكم. وتم الصراع مع رأسي حربتين وجه الاول نحو الداخل الى الاسلام المتطرف ووجه الآخر الى الخارج لتجنيد تأييد للنظام ذي الوعي الاسلامي القوي الذي يجاهد بحسب تصوره باسم العالم العربي كله، الغرب 'الصليبي'. ففي الساحة الداخلية قضى النظام بلا رحمة على 'الكلاب الضالة. أي المسلمين المتطرفين الذين يستغلون الدين لأهداف سياسية. يجب قتلهم كالكلاب بلا محاكمة.
ولا تخافوا فلن يوقفكم أحد (من سلطات الأمن) ولن يحاكمكم على قتل كافر'. كرر القذافي تهييج مواطني ليبيا على 'الكفار'. وعاد وأكد ان ضحيتي الاسلام المتطرف هما 'القومية العربية' و'الوحدة العربية' وأن ما يقف من وراء الاسلام المتطرف في ليبيا هو 'عدو العرب' أي 'الموساد الاسرائيلي'.
والاسلام المتطرف شهادة على 'إفلاس الأمة والوطن العربي'، كما أكد في مناسبة اخرى، وحث الدول العربية على ان تحارب 'في جبهة واحدة' 'الكفار المسلمين'. وبصورة تثير الاهتمام جند زعيم ليبيا الذي سلم لانهيار قيم الوحدة في العالم العربي واستوعب انهيار الخيار العسكري العربي العام لمواجهة 'العدو الصهيوني'، جند الآن هذه القيم وعاد ونفخ فيها الروح للقضاء على التهديد الاسلامي المتطرف في الداخل.
أدار القذافي صراعه مع الغرب 'الاستعماري والصليبي' باطلاق حجارة مجانيق دعائية ثقيلة اشتملت على خليط من المواد الدينية والقومية والسياسية وفيها الزعم المكرر الذي يقول ان الموساد الاسرائيلي والاستخبارات الامريكية والبريطانية تحرك الاسلام المتطرف وهدفها 'توجيه ضربة قوية الى الاسلام والعروبة'.
وبصورة متناقضة تعارض هجومه على الاسلام المتطرف، هدد زعيم ليبيا الغرب بتهديدات تشبه تهديدات الاسلام المتطرف الذي حاربه كي يضغط على الغرب ليكف عن عقوباته لليبيا. وأوضح ان 'مجموعات اسلامية (معادية للغرب) تضغط عليه لاعلان الجهاد ولجعل طرابلس تصبح القدس ولجعل الجيش الليبي جيش صلاح الدين'.
وقال في حماسة ان المسلمين 'يطلبون تحويل ليبيا الى دولة الخلافة، فهم يحتاجون الى خليفة اذا قبلت هذا المنصب'، هدد، فسيحترق العالم كله. ولهذا عاد فأكد انه 'ينبغي سحق رأس كل مسلم متطرف كما تسحقون رأس أفعى'.
وباعتماده على اصطلاح معروف جيدا له وللمجتمع الليبي عاد القذافي وشبه خطر الاسلام المتطرف بمجموع الأخطار التي تتعرض لها ليبيا والعالم العربي من قبل 'الكيان الصهيوني والصليبيين والاستعمار'.
في حين ترجع أصول المصطلحين 'الكيان الصهيوني' و'الاستعمار الغربي' الى بدء خطاب القذافي في ستينيات القرن الماضي، كان استعمال زعيم ليبيا لمصطلح 'الصليبيين' في تسعينيات القرن الماضي جديدا نسبيا وجسد رسالة تبجحية نحو الداخل ونحو الخارج في الأساس.
وكان معنى رسالة القذافي هو ان نضاله المشبع بالروح الدينية وهو نضال يشبه ضمنيا الجهاد الذي قاده صلاح الدين، هو أنه سيهزم آخر الامر الغرب المسيحي و'الصليبيين'، تمجيدا للعالم الاسلامي. ان عرض النضال للغرب على أنه جهاد ديني كان يرمي الى التعمية على سلوك النظام الليبي المشبع بالعداء السياسي والمعارض للمصالح الحيوية للغرب والذي جلب على الدولة أكثر من كل شيء آخر وعلى النظام الذي يرأسها الهجوم الجوي من الولايات المتحدة وكارثة العقوبات والازمة الاقتصادية بصورة غير مباشرة والعزلة العربية وخطر الاسلام المتطرف قبل كل شيء.
وفي نهاية الامر في التحول من القرن العشرين الى القرن الواحد والعشرين صالح القذافي الغرب الذي ساعده ويا للسخرية على القضاء على خطر الاسلام المتطرف في دولته وحولها، وربما مكّن له بذلك من الاحتفال بيوم الذكرى الاربعين لتوليه الحكم. وتجسد تضليل القدَر بحقيقة ان الغرب الصليبي البغيض الى القذافي هو الذي تعاون معه على القضاء على جيوب الاسلام المتطرف في ليبيا. وهذه المصالحة جعلت اقتصاد ليبيا يقفز الى قمم جديدة وعززت مكانة القذافي السياسية.
ومن التناقض ان وجدت ليبيا والغرب أنفسهما في الجانب نفسه من الخندق في محاربة الارهاب الاسلامي المتطرف، الذي بلغ ذروته بعد أحداث ايلول 2001. وقد تقاسمت ليبيا والغرب الآن أو المسلمون والصليبيون اذا ما تبنينا اصطلاح القذافي قُبيل المصالحة، تقاسما مصالح مشتركة أبعدت ليبيا عن علامات الطريق التي بينت سلوكها في أكثر سني حكم القذافي.
ولاول مرة في تاريخ النظام الليبي تعدى سلوكه الفضاءات الفكرية والسياسية والدينية والثقافية والقومية التقليدية وتبنى لنفسه، وإن يكن ذلك بقسر من الظروف لا بتسليم مطمئن، أدوات ومباديء جديدة لتدبير شأنه.
يهوديت رونين
مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الاوسط وافريقيا