|
لم تعد فوضى الشرق الأوسط الجديد
خطة. فالمنطقة تقترب من المشهد الأخير من مراحل
التنفيذ. صحيح أن حرائق تونس وليبيا كانت بسبب البعد الجغرافي والثقل السياسي الضعيف، أعجز
من أن تنقل نيرانها إلى الدول المؤهلة للإشتعال، وصحيح أيضاً أن مصر نجحت في إلقاء كمية من
الرماد على جمر
ثورتها، مما حال دون امتداد لهيبها إلى بلاد عربية أخرى، لكن الأصح من كل هذا أن سوريا، التي
تعاني اليوم من ما يشبه الحرب الأهلية، هي الحد الفاصل بين انتصار، ما نسميه تخفيفاً لمآسيه
بالفوضى الخلاقة، وبين هزيمة هذه الفوضى هزيمة نهائية. ولهذا يحتدم الصراع في سوريا إلى حد صار من
الصعب السيطرة
عليه... وبفشل السيطرة ستستحيل محاصرة النيران، التي يبدو أنها قادرة على الوصول إلى أكثر
البلاد العربية إطمئناناً. وإذا سألنا لماذا سوريا... فإن الأجوبة كثيرة. فيها يمكن مذهبة
المنطقة من شرق السعودية إلى بحر لبنان. وسلاح المذهبية المسموم لم يكن متوافراً في ثورات تونس
وليبيا ومصر.
وهي قريبة من الجميع... والجميع متورط، بشكل ما، في أحداثها الخطيرة. والخوف، كل الخوف، أن تتطور هذه الأحداث، وتنتقل إلى التدخل
العسكري المباشر. وهذا يعني بالتأكيد الإنتقال من الحل الصعب إلى الحل المستحيل. وعندئذ ستتحول
الدول، لا الأشخاص، إلى أحزمة ناسفة. وسيكون خيار شمشوم هو الخيار الوحيد المتاح. إذاً
الأمر لم يعد لعبة سياسية من ضمن لعبة الأمم. فعندما يواصل الحريق طريقه إلى ذروة
الجحيم، تصبح المنطقة برمتها منطقة منكوبة بأهوال الصراعات
المذهبية، التي تم انعاشها على مدى سنوات عديدة في سائر دول الشرق من باكستان إلى لبنان ومن الخليج
إلى سوريا اليوم. وهنا لا يمكن لدولة، مهما عظمت قدراتها العسكرية والدبلوماسية، أن تتحكم بحدود الحرائق. ولن تكون هناك
مبالغة إذا تحدثنا عن خراب عالمي قد يتعدى الاقتصاد إلى ما هو أخطر وأشمل. المشهد السياسي يقول
بصراحة إن إيران لن تسمح بأن تؤكل يوم أكل الثور الأبيض. وحزب الله لن يستسلم للاختناق بقطع طرق الإمداد. وروسيا لن تقبل
بطردها من المنطقة. وفي المقابل، فإن الغرب لن يستمر في سياسة المزايدة الكلامية عاجزاً عن
حماية «أنظمة الدومينو» من الانهيار. قد يقول الكثيرون أن ما نقوله خيال أسود... ونسأل هذا الكثير
عن مكان الواقع
الأبيض... الذي يعدون أنفسهم بقطف ثماره.
|
وليد الحسيني
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق